هبة مصطفى تكتب: الخيانة بالغباء والإهمال

"فلنراجع أنفسنا قبل أن نخون من حيث لا ندري"..
مما لا شك فيه أن الغباء هو الوجه الآخر للخيانة، فهي ليست دائمًا خنجرًا في الظهر، أو رصاصة في القلب، أو اتهامًا مباشرًا مغلفًا بالكذب المتعمد للشخص المراد الإطاحة به، إنما أحيانًا تأتي في شكل ابتسامة ساذجة، أو قرار غبي، أو إهمال غير مبرر، لكن أثرها يبقى مدمرًا، ورد الفعل على المفعول يكون أحيانًا بلا رحمة.
عزيزي القارئ.. الخيانة بالغباء أو الإهمال هي جريمة بلا نية، لكنها بثمن، ولا تُغتفر، لما لها من أثر طويل الأمد لا ينتهي إلا بموت الروح للبعض، أو بالإصرار على استرداد الحق، ماديًا كان أو معنويًا.
فالخيانة وإن خلت من سوء النية، تضاهي الخيانة المتعمدة، لأن أثرها يصعب التنبؤ به.
ففي العلاقات الشخصية تتجلى في الاستهانة بمشاعر الآخرين، بدعوى "النية الطيبة" أو "اللا مبالاة"، وهنا يظهر الغباء في أعظم صوره، مغلفًا بكسر الخواطر، نتيجة عدم التقدير والاحترام، وكأن العلاقة لا تستحق حتى بذل مجهود لفهمها أو الحفاظ عليها، فتتسلل الأنانية والغيرة، وتُقطع حبال المودة الصادقة، لتسود محبة زائفة تتلاشى تدريجيًا، سواء بمرور الزمن أو عند تصالح المصالح، أما عن في بيئة العمل فتظهر الخيانة حين يُضحّي بعض الموظفين بزملائهم لإرضاء المدير، أو يُسرّبون معلومات مهمة عن جهل، أو يتخذون قرارات غير مدروسة تضر بالمجموعة والمنظومة.هذه التصرفات تخلق بيئة عدائية مليئة بالتوتر، وانعدام الثقة، وغياب الاستقرار، وتحوّل بيئة العمل إلى ساحة صراع في حق الوطن حيث نجد أن السلوك الفردي غير المسئول هو خيانة في حد ذاته، والخطر هنا لا يأتي من العدو، بل من أبناء الوطن أنفسهم، الذين يخونون من حيث لا يشعرون.
وللأسف، عواقبها قد تكون كارثية، من أعظمها هو ترديد الشائعات دون وعي أو تحقق وتهميش الكفاءات وظهور غير المؤهلين الامر الذي يؤدي الي التقصير في المهام الحيوية الأمر الذي يؤثر بالسلب علي مصلحة الوطن. والحل؟
وكما عوّدتموني، فلن أقف عند حدود التشخيص، بل أدعو إلى التحرك من خلال التركيز الإعلامي ومنابر التواصل الاجتماعي على رفع الوعي والمسؤولية الفردية، ونشر ثقافة العدالة والشفافية داخل المؤسسات، والحرص على تطبيق المحاسبة دون تمييز أو أعذار، والاهتمام بالكفاءة الصامتة والانتماء، لا الولاء الأعمى لأي تيار ديني أو من أي نوع والعمل على تعزيز الانتماء الحقيقي المبني على الفهم، والالتزام، والأخلاق المهنية والوطنية وخلاصة القول إنه يجب في ظل التحديات المتلاحقة، لا مجال لأضرار "النية الحسنة" أو العيش بلا وعي، فذلك خيانة مستمرة للوجود ذاته، والجهل لم يعد عذرًا مقبولًا في ميزان العدالة، فالعقل نعمة، وتجاهله خطيئة.
كلمة أخيرة لأرباب الخيانة المتعمدة والذي يخون بدافع المصلحة أو التملق، طمعًا في عوائد مادية أو معنوية "اعلم أن هذا السلوك هو الخيانة بعينها، وهي ليست وسيلة للاستقرار، بل بداية لفقدان الذات، وانهيار الثقة بك من الجميع، كن وفيًا لنفسك أولًا، ولمن حولك، وواجِه الأمور بشرف، من خان اليوم، لن يكون محل ثقة غدًا.. والأيام دُوَل.”
فالخيانة لا تأتي دائمًا بالسيف، بل أحيانًا بكلمة طائشة أو قرار غير محسوب، أو انحياز أعمى، والحل في الوعي، والصدق، والولاء المبني على المبادئ، ونتذكر الوطن ليس له بديل.
Trending Plus