وزارة الداخلية تواجه لصوص المعلومات.. حرب على عصابات بطاقات الدفع الإلكتروني.. الجناة ينتحلون صفة موظفي بنوك لسرقة البيانات.. وخبراء أمنيون يضعون روشتة تفادي الجرائم الالكترونية وعقوبات صارمة للمتهمين

لم تعد الجريمة تقف عند اعتلاء السطو التقليدي، بل تحوّلت إلى شفرات رقمية تمشي خلف شاشات، وتسرق من تحت أيدينا ما لا تُرى عيناه، لكن أثره في الحسابات لا يغيب، عصابات منظمة تنصب فخها من خلال انتحال صفة موظفين خدمة العملاء بالبنوك، لتسرق بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني وتسحب الأموال فُجأة من دون تدخل المالك.

وزارة الداخلية لم تقف مكتوفة الأيدي، في حملة أمنية شنّتها مؤخّراً أجهزة قطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، تم ضبط عصابتين بمركز العدوة بمحافظة المنيا، مكوّنتين من عاطلين لهما معلومات جنائية، بعد استهدافهما لمواطنين بانتحال هويات وهميّة كموظفي خدمة العملاء، وبحوزتهما ثلاثة هواتف محمولة تحتوي على أدلّة رقمية تؤكد نشاطهما في ثمانية وقائع احتيال، والأسوأ أن الأموال المختلسة بلغت ملايين الجنيهات، وفق آخر بيانات الأجهزة الأمنية.

الإحصائيات الحديثة ترسم خلفية مقلقة لهذا المشهد، فقد كشفت تقارير كاسبرسكي أن 31% من مستخدمي الدفع الإلكتروني تعرّضوا لخسارة مالية جراء تهديدات إلكترونية، وقد تخطّت نسبة الخسائر الألف دولار لدى 12% منهم، ونصف المستخدمين على الأقل تعرّضوا لمحاولات تصيّد عبر الرسائل أو المواقع المزيفة، بينما كشفت دراسة متنوعة أن نحو 91% من المواطنين يميلون لتجاهل علامات الخطر، حتى إنهم يثقون بأنفسهم لدرجة تودي بهم إلى الفخ دون إدراك .

وبينما تنمو هذه الجرائم بتعمدها على هندسة اجتماعية وذكاء خداع متطور، يؤكد خبراء الأمن أن المواجهة لا تأتي من القبض فقط، بل من وعي المواطنين.
يقول اللواء دكتور علاء الدين عبد المجيد الخبير الأمني: الحلول الأمنية المتقدمة يجب أن تكون مصحوبة بحملات توعية مستمرة حول تغيير كلمات المرور وتفعيل التحقق بخطوتين.

ويرى أن انتحال صفة موظف البنكي "هو الأسلوب الأشهر لهذه العصابات، بما يفرض علينا أن نعتبر كل مكالمة مفاجئة أنها قد تكون تهديداً"، ويضيف "عند تلقي أي طلب معلومات، يجب على المواطن أن يتوقف، ويلغي المحادثة، ثم يتصل بخط البنك الرسمي."

ويقول خبراء قانون أن القانون رقم 175 لسنة 2018 الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات يضع عقوبة قاسية لمن يتصيد بيانات المواطنين، حيث تصل العقوبة إلى السجن المشدد، وغرامة قد تتراوح بين مئات الآلاف وحتى الملايين بحسب جسامة الضرر وحجم الأموال المنهوبة.

وفي المجالس البرلمانية، دعا عدد من النواب إلى مراجعة القانون وتعديل المادة التي تتعلق بجرائم انتحال الصفات بهدف تشديد العقوبة، بما يردع المحتالين ويضمن عدم تكرار الكارثة.

لا يمكن للمؤسسات المصرفية أن تغض الطرف أيضاً، فقد عقدت البنوك منتديات لمكافحة الاحتيال، بمشاركة نخبة من خبراء سياسات الأمان الرقمي، حيث تم عرض أحدث أدوات التعقب المبني على الذكاء الاصطناعي وتقنيات كشف الاحتيال آنياً، ومن المعروف أن تعزيز اللوائح الداخلية للبنوك يُعد جزءاً من المعادلة الوقائية.

لكن يبقى عامل الأمان الأكثر تأثيراً هو المواطن نفسه، فبدل أن ينتظر أن تكتشفه الأجهزة، عليه أن يرفع قناعه أمام مكالمات تطلب منه رموز أو بيانات بطاقته، وأن يتساءل مراراً: لماذا يا ترى يطلبون هذه المعلومات؟ وهل أتمكن من القول "هذه رسالة توثيق رسمي" أو "هذه عملية البنك لي شخصياً"؟

في النهاية، مواجهة عصابات سرقة البيانات ليست فقط بتوقيف مجرمين وجمع هواتف محمولة، إنها حرب على الوعي، توعية تُسبق القبض، توعية تلي القبض، وحصن الأمان الحقيقي يبدأ حين نفهم أن بطاقاتنا ليست مجرد أوراق بلا روح، بل بواباتنا لعالم مالي مسروق إن أُهملت.