2 أغسطس 11 سبتمبر 7 أكتوبر.. نقاط الانقلاب والتقاطع فى الحرب العالمية الرابعة!

أيا كان موقف الشخص من الحرب الدائرة طوال شهور، يفترض أن يسعى إلى تفهم تعقيدات وتقاطعات مشهد حرب مجنونة، يبدو أحيانا أنها ضمن فوضى غير خلاقة، وفى أحيان أخرى تبدو ضمن مخططات بعضها معلن ومتفق عليه فى أدبيات ودراسات وأبحاث مراكز وتوصيات أجهزة استخبارات عالمية.
وكثيرا ما نندهش عندما نرى بعض زملائنا يقرأون ما يجرى الآن على أنه ضمن تطورات عقد أو أقل وربما شهور، بينما طوال الفترة منذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، ونحن نتابع قفزات وصدامات وحروب تدور على الكرة الأرضية، هذه الصراعات من أجل المال والاقتصاد والسيطرة والمصالح، وليست من أجل السياسة، أو تغيير أنظمة الحكم، وبالرغم من أن السياسة ليس فيها «لو»، لكن فى كثير من التحليلات يعود بعض المتابعين إلى الماضى، ليطرحوا أسئلة من نوعية ماذا لو لم يجتاح الاتحاد السوفيتى أفغانستان نهاية السبعينيات، وماذا لو لم يجتاح العراق الكويت فى 2 أغسطس 1990، أو ماذا لو لم تقع أحداث 11 سبتمبر 2001، أو ماذا لو لم تقع أحداث 7 أكتوبر 2023؟
بالطبع، فإن التاريخ ليس فيه «لو»، وما وقع قد وقع، لكن كل حدث من هذه الأحداث كانت له تداعياته التى لم تتوقف، وأسلمت بعضها لأحداث وحروب وصراعات، فقد انتهى احتلال صدام حسين للكويت بحرب دمرت أغلب قدرات الجيش العراقى، وتم فرض حصار امتص قدرات العراق والشعب العراقى حتى تم غزو العراق وتفكيك مؤسساته الأمنية جيشا وأحزابا، وإنتاج دستور أدخل العراق فى صراع بالكاد يخرج منه، وفتحت 11 سبتمبر 2001 الباب لحروب شنها اليمين الأمريكى، بقيادة جورج بوش الابن، وتم شن حروب على أفغانستان والعراق أنتجت المزيد من التنظيمات الإرهابية، داعش والنصرة وغيرهما، التى عاثت فى الشام والعراق خرابا وحروبا بالوكالة، سحبت مطالب التغيير فى سوريا لتنتهى فى حكم أحد هذه التنظيمات، وتم تفكيك الدولة والجيش لإعادة تركيبهما ليتناسبان مع كيان الاحتلال.
7 أكتوبر تفاعلت وتقاطعت وفتحت مجالا لحرب استمرت 18 شهرا، وفى الطريق أطاحت بقدرات حزب الله، واكتملت على سوريا واتجهت إلى إيران لتصل إلى محطة جديدة من صراع مباشر بعد حروب بالوكالة.
نرى الآن تحولا فى أشكال ومضامين الحروب الحديثة، التى تدور بالمعلومات والخداع، غيرت المسيرات والصواريخ طويلة المدى والحروب السيبرانية، أشكال المواجهة بين إسرائيل وإيران، وفى الصورة الولايات المتحدة، تفاصيل عن جواسيس وعمليات نوعية وشبكات عنكبوتية لجمع المعلومات، وحروب تتطور بشكل مستمر، منذ التسعينيات من القرن العشرين، «لايف» على الهواء والشاشات، ومع هذا تشهد تعتيما وتشويشا وإخفاء لحجم الدمار الذى سببته الصواريخ الإيرانية طويلة المدى، فى إسرائيل أو مسيرات وطائرات إسرائيل فى الأهداف الإيرانية والمنشآت النووية.
نحن أمام حروب القرن الواحد والعشرين، وهذه الجولة تشهد استخدام أسلحة ومسيرات وأنواع من القذائف الخارقة للتحصينات، مثل تلك التى استخدمت فى اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فى أعماق الأرض، أو مزاعم تدمير قدرات طهران النووية فى أعماق الجبال، مع إعلان إيران أنها هربت الوقود النووى، وتهدد باستهداف ديمونة أو غيرها.
كل هذه تداعيات للحظة واحدة فى 7 أكتوبر،2023، التى تمثل إحدى نقاط الانطلاق مثل سابقاتها، وتدخل ضمن ما يحاول البعض تسميته «الحرب العالمية الثالثة»، بينما يرى كثيرون أن الحرب الثالثة كانت هى الحرب الباردة، وأن الفصل الحالى هو الحرب الرابعة، حسب تسمية الكونت «دى مارنشيز»، مدير المخابرات الفرنسية الأسبق 1969 - 1980، وفى 1993، أصدر كتاب «الحرب العالمية الرابعة.. دبلوماسية وتجسس فى عمر الإرهاب»، كان يرى أن الحرب الرابعة هى حرب فى مواجهة الإرهاب، وأنّ الحرب الباردة هى الفصل الثالث، وأن صراع الغرب مع الاتحاد السوفيتى هو ضمن خطوط اللعبة الغربية «كانت القوانين أوروبية، قوانين شمالية، وليست القوانين الجنوبية نفس خطوط العرض على نفس الطول موجة العقل- أى العقل الأوروبى- لكنها ليست نفس خطوط الطول».
توقع رئيس المخابرات الفرنسية الأسبق أن تقوم حرب الغربمع موجات الإرهاب الدينى، كان هذا قبل 11 سبتمبر، وكان يوصى الولايات المتحدة بمحاولة احتواء الشيوعية من خلال اختراع نوع من الشيوعية المتحولة للتلاعب فى عقول الجنود السوفيت، وينبه إلى استراتيجية بناء أفكار مزيفة تحمل شكلا أيديولوجيا، أن يصنع الغرب شيوعية ودينا وإسلاما يناسب أهدافه، ويبدو بالفعل أن هذا ما جرى، حيث تم إنتاج أفكار ومعتقدات تناسب مصالح الغرب، مثلما يجرى فى سوريا، حيث الجولانى هو الشرع، مثلما كان داعش ينفذ أهداف أجهزة الاستخبارات التى أنتجته أو منظمات حقوقية برائحة يسارية تدافع عن الإرهاب باعتباره حرية رأى.
عودة إلى «لو» التى لا تحكم السياسة، لكنها تشير إلى كيفية توالد الأحداث وتقاطعها ضمن متواليات هندسية تنتج واقعا يبدو بعيدا وهو أقرب من التوقعات، لتصل المواجهة إلى محطة تل أبيب طهران، انتقالا من غزة مرورا بلبنان وحزب الله وسوريا والجولانى ولا تزال الأحداث تتفاعل.

Trending Plus