الأسئلة الحائرة فى المفاوضات بين أمريكا وإيران

انتهت حرب الـ 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، بصواريخ أطلقتها طهران على بئر السبع، قبل دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ، وإنهاء الحرب والتصعيد العسكرى بينهما، و التحرك من مربع المواجهة إلى طاولة التفاوض، لاتفاق لا تزال عناوينه غامضة وأسئلته حائرة.. لكن هذه الصفحة تم إغلاقها بعد إعلان دونالد ترامب أن المواجهة انتهت، هذا هو سيناريو الختام لمشهد استمر لما يقرب من أسبوعين، لينتهى بمفاجأة من العيار الثقيل، أو كما قال ترامب "ستحضر إيران مع إسرائيل فى وقت واحد"، واختتم: "سلام".
إذا كان هناك رابح فى هذه الحرب، فهو بالتأكيد دونالد ترامب، الذى أثبت أنه يستطيع أن يفرض رأيه على الجميع، وبالتأكيد أنه تعرض لضغوط كبيرة من الدول الغربية والعربية لوقف هذه الحرب، كما يبدو أن هذا الاتفاق تم بوساطة قطرية.
لكن عندما يقرر ترامب فإن إسرائيل ستتوقف، ونحن نتحدث عن حرب بدأتها إسرائيل تجاه إيران، هذه هي سياسة القوة والإرادة الحديدية.. أمريكا فى عهد بايدن كان لديها الكثير من المواقف التي تختلف فيها مع إسرائيل، وفى نهاية المطاف كانت تحاول أن تفرض رأيها ولا تنجح، لكن ترامب ينجح فى ذلك، كذلك نجح مع إيران عن طريق القوة عندما ضرب مواقع فى الداخل الإيرانى، ويقال إن مسار وقف إطلاق النار بدأ مع الهجوم الأمريكى على إيران، للوصول لوقف لقرار يرضى إسرائيل، وبالتالى وافق على أن تضرب إيران القاعدة الأمريكية فى قطر وابتلع هذه المهمة، لتحقيق هذا الهدف فى سياق أحداث وأمور مرتبة بمسار معين هو من فرضه.
معظم أوراق إيران فقدتها فى هذه الحرب ومن قبلها أيضًا، فقد تراجع دورها الإقليمى بفعل تطورات كثيرة، ثم فقدت البرنامج النووى تقريبًا، ربما باستثناء ما تقول إنه "احتفاظ من جانبها بالمواد النووية"، هذا فضلا عن البرنامج الصاروخي الذى تعرض لخسائر معينة بالإضافة إلى القادة العسكريين الذين اغتالتهم إسرائيل والبنية التحتية وغيرها، لذلك هذا الاتفاق أعتقد أنه محاولة لإنقاذ الموقف ، ومسألة إطلاق إيران لهجمات صاروخية على قاعدة العديد هي لحفظ ماء الوجه، وتأكيد على أن إيران ترد على الهجمات الأمريكية للمفاعلات النووية، وفى اعتقادى أيضا أن الخطوة الأخيرة تمت بترتيب مسبق، والهدف منها مساعدة النظام الإيراني على تمرير هذا الاتفاق داخل إيران فى المرحلة القادمة لأن المسألة قد لا تكون سهلة على النظام أن يسوق أنه استطاع أن ينهى هذه الحرب عبر هذا الاتفاق، الذى قد يكون بداية لمرحلة من الاختبارات الصعبة، سواء للنظام الإيراني فى الداخل أو فيما يتعلق بعلاقاته مع أمريكا وإسرائيل.
فالمسألة لن تنتهى بهذا الاتفاق لأن الخلافات ما زالت قائمة، ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي من ناحية وبما تبقى من البرنامج النووي، هل بالفعل تم القضاء عليه بالكامل كما قال ترامب؟ أم أن إيران ما زالت لديها قدرات نووية بخلاف مفاعل بوشهر كما تقول؟ كل ما سبق يجعل الأحداث على وشك مرحلة جديدة غير واضحة بين الأطراف الثلاثة، وتطرح التساؤل الأبرز: هل يصمد وقف إطلاق النار؟
لا أستطيع أن أرجح أي من الروايتين، لكن الكرة الآن فى ملعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية فهى الوحيدة التي يمكن أن تحدد ما حدث، فالمدير العام للوكالة طرح فكرة أن يزور إيران وبالتالى على الوكالة مهمة أن يتم تحديد ما حدث فى المفاعلات ومدى تأثير هذه الضربات إذا كان لدى إيران هذه المواد النووية إذا ما زالت لدى إيران القدرة على انتاج القنبلة النووية، فهى تمتلك 500 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، هذا إذا افترضنا أن الرواية الإيرانية لها مصداقية على الأرض .
أما بالنسبة للبرنامج الصاروخي ، فما زال محل خلاف، فقد استخدمته إيران فى توجيه ضربات قوية لإسرائيل خلال الفترة الماضية، واستخدمته أيضاً فى الهجوم على قاعدة العديد وبالتالى سيكون محل نقاش ومفاوضات مع أمريكا فى الفترة القادمة.
ويتبقى الملف الأخير وهو المليشات وهذا الموضوع لن يكون محور خلاف كبير لأن هذه المليشات لم يعد لها تأثير على الأرض، بدليل أن هذه المليشات لم تنخرط فى هذه الحرب التى قاربت على اسبوعها الثانى ولم نرصد أي دور لحزب الله أو لمليشيات الحشد فى العراق، ربما المليشيا الحوثية هي منخرطة قبل بداية هذه الحرب و أطلقت صواريخ بسيطة على إسرائيل، وبالتالى لا اعتقد أن النفوذ الإيرانى لدى هذه المليشيات سيكون ضاغط أو خلافى بين إيران وأمريكا، المهم أنه ما دام تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتم استيعاب مطلب إيران لإخراج هذا المشهد على نحو يحفظ ماء وجه النظام بالسماح لها بتوجيه ضربة صاروخية للقاعدة الأمريكية فى العديد ، فإن المسألة فيها نوع من المحاولة الأمريكية لدفع إيران إلى قبول هذا الاتفاق على أساس أن ذلك يمهد المجال أمام فتح مفاوضات جديدة حول الملفات الخلافية خلال المرحلة القادمة.
وختاما لا يجب أن نغفل الدور الروسى فى هذا الملف النووي فى ضوء الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى الأيام الأخيرة.
Trending Plus