الهجرة النبوية وحب الوطن فخر لا يُنسى رغم المحنة.. مواقف سيدنا النبى خلال الهجرة أظهرت حبا صادقا للوطن وارتباطا روحيا وعاطفيا عميقا بأرض نشأته.. وهذه مظاهر الانتماء للوطن فى سلوك الصحابة المهاجرين

أكدت وزارة الأوقاف أن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة ليست مجرد حدث تاريخى، بل هى نقطة تحوُّل فى مسار الرسالة الإسلامية، تحمل فى طياتها معانى عظيمة فى الإيمان والتضحية والوطنية الصادقة، وعلى الرغم من أن الهجرة كانت انتقالًا اضطراريًا بسبب الاضطهاد، فإن مواقف سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم وكلماته خلال الهجرة وما بعدها تُظهر حبًّا صادقًا للوطن وارتباطًا روحيًا وعاطفيًا عميقًا بأرض نشأته.
أولًا: مفهوم حب الوطن فى الإسلام
حب الوطن ليس شعورًا عاطفيًا فقط، بل هو قيمة إنسانية أصيلة، يقرها الدين، ويدعمها الوحى، وتتجلى فى تصرفات سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.
فالوطن هو: موطن الذكريات.. مكان الأهل والعشيرة.. موضع الأمان والاستقرار، قال سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى، ولولا أنى أُخرجت منك ما خرجت»
هذا الحديث يعكس أصدق معانى الوطنية، فهو صلى الله عليه وسلم لم يغادر مكة حبًّا فى الرحيل، بل حزنًا على فراقها، وشوقًا للعودة.
ثانيًا: الهجرة النبوية كشاهد على حب الوطن
رغم أن الهجرة كانت أمرًا ربانيًا لحماية الدين ونشره، فإنها كشفت عن عدة مظاهر تربط الهجرة بحب الوطن: حزن سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم على فراق مكة لم يكن فراق مكة سهلًا على قلب سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، وقد أُثر عنه أنه نظر إلى مكة وقال: «ما أطيبك من بلد! وما أحبك إليَّ!»
و الحنين المستمر لمكة بعد الوصول إلى المدينة حيث اشتكى بعض الصحابة من تغيّر جو المدينة وحنينهم إلى مكة، فدعا سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد...»[ رواه البخاري]، وهذا يدل على أن حب الوطن فطرى مشروعٌ ومطلوب، وسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكره بل دعا لغرسه تجاه المدينة أيضًا.
ثالثًا: حب سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم لمكة
لم يُنسِه واجب الدفاع عن الدين رغم حب سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم العميق لمكة، فإنه خرج منها لأداء مهمة أعظم: حماية العقيدة، لكنه لم ينسَ وطنه الأول، بل عاد إليها فاتحًا دون انتقام، معلنًا: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ودفن فيها أحبّ الناس إليه: خديجة، وعمه أبو طالب، وظل قلبه متعلقًا بها، الهجرة إذًا لم تكن انقطاعًا عن الوطن، بل فصلًا جديدًا فى طريق خدمته وخدمة أمته
رابعًا: حب الوطن فى سلوك الصحابة المهاجرين
لم يكن حب الوطن حكرًا على سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، بل تجلى كذلك فى الصحابة:بلال بن رباح حين وصل إلى المدينة، كان يردد أبياتًا يعبر فيها عن الحنين إلى مكة: "ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلةً **بـوادٍ وحولى إذخرٌ وجليلُ؟"
صهيب الرومى قال لقريش عندما منعوه من الهجرة: "أرأيتم أن تركت لكم مالى، أتخلّون سبيلي؟" فاختار الخروج ليحافظ على الدين، ولكن قلبه ظل متعلقًا بمكة، هذه المواقف تظهر أن حب الوطن لا يناقض التضحية فى سبيل المبادئ، بل يعزز قيمتها.
خامسًا: دروس مستفادة للمسلم المعاصر
حب الوطن من الإيمان: وهو من القيم التى رعاها سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلاً، الدفاع عن الوطن لا يتعارض مع التفرغ للدين، بل هو واجب دينى وأخلاقى، الوفاء لأرض الإنسان وأهله واجب، وسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم كان وفيًا لوطنه رغم ما تعرض له فيه، البناء والإصلاح فى الوطن بعد المحنة، كما فعل صلى الله عليه وسلم فى المدينة، جزء من حب الوطن
سادسًا: كيف نترجم حب الوطن فى واقعنا؟
بالعمل الصادق فى خدمته، بالحرص على وحدته وأمنه، بالعدل والتسامح مع أبنائه، برفع رايته بالعلم والأخلاق، حب الوطن ليس كلماتٍ تُقال، بل أفعال تُبنى، وهذا ما علّمنا إياه سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم فى سيرته.
إن الهجرة النبوية تمثل درسًا خالدًا فى حب الوطن بمعناه العميق: حبٌ لا يُنسى رغم المحنة، وحنينٌ لا يزول رغم الغربة، وعملٌ دؤوب لبناء وطن جديد لا يطغى على وفاءٍ للوطن القديم، فسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم علمنا أن الوطنية ليست مجرد انتماء لأرض، بل وفاءٌ، وحرصٌ، وإصلاحٌ، وعدلٌ، وتضحيةٌ من أجل الكرامة والحق.
Trending Plus