ثورة 30 يونيو.. نقطة تحول استراتيجية فى تاريخ الوطن

نستقبل الذكرى السنوية لثورة 30 يونيو وقد أصبح واضحا، بعد مرور أكثر من عقد من الزمان، أن ما جرى لم يكن مجرد حراك شعبي رفض حكم جماعة دينية حاولت اختطاف الدولة، بل كان تحولا استراتيجيا في مسار الوطن، أخرج مصر من نفق مظلم كاد أن يعصف بكيانها السياسي والاجتماعي، ووضعها على طريق الاستقرار والمواجهة الحاسمة مع التحديات الإقليمية والدولية التي ما زالت تتسارع حتى اليوم، لقد جاءت ثورة 30 يونيو تعبيرا عن إرادة شعبية واعية، استشعرت الخطر الداهم حين حاولت جماعة الإخوان تغيير هوية الدولة المصرية، وتفكيك مؤسساتها، وتوريطها في صراعات إقليمية تخدم أجندات لا تمت لمصالح الشعب المصري بصلة.
فخلال عام واحد من الحكم، كشفت هذه الجماعة عن نواياها ورغبتها في إضعاف مؤسسات الدولة، وتهميش القضاء، والسيطرة على الإعلام، واستعداء الجيش، والارتهان لقوى خارجية، مما شكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، لذلك إذا ما تأملنا المشهد الإقليمي الراهن، ندرك حجم ما كانت ستواجهه مصر لو لم تنجح ثورة 30 يونيو في استعادة الدولة من براثن الفوضى، فيكفي اليوم أن ننظر إلى ما حل ببعض الدول المجاورة التي انجرفت في دوامات الاحتراب الداخلي، وانقسام الكيانات، وتفكك المجتمعات، نتيجة غياب الدولة المركزية أو سقوطها في يد تيارات دينية متطرفة أو مليشيات مسلحة. لقد تفادت مصر هذا السيناريو الكارثي، لا بفضل الصدفة، وإنما بفعل يقظة شعبها وجيشها ومؤسساتها.
وتأتي ذكري ثورة 30 يونيو في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدا خطيرا، بدءا من الحرب المستعرة في غزة، ومحاولات تفجير المنطقة بأكملها عبر جر قوى إقليمية كبرى إلى صدام مباشر، مرورا بالتوترات في البحر الأحمر، وانكشاف مشاريع التغلغل الإقليمي في بعض الدول العربية، ووصولًا إلى تهديدات الأمن المائي بسبب تعنت بعض الدول في ملف سد النهضة. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، تبرز مصر كقوة توازن إقليمي فاعلة، تمتلك قرارها المستقل، وتسعى للحلول الدبلوماسية، وتحافظ على أمنها القومي.
هذا الدور المحوري الذي تقوم به الدولة المصرية، ما كان ليتحقق لولا سنوات من البناء المؤسسي والمشروعات القومية الضخمة التي أعقبت ثورة 30 يونيو، لقد انطلقت الدولة المصرية في مسيرة غير مسبوقة لإعادة بناء بنيتها التحتية، وتطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية، ما مكنها من الصمود في وجه أزمات عاتية، أبرزها جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية العالمية، والحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها على أسعار الغذاء والطاقة.
لقد استطاعت مصر، بعد سنوات من الإصلاحات الاقتصادية القاسية، أن تعيد ثقة المؤسسات الدولية، وتجذب استثمارات ضخمة، وتطلق مشروعات تنموية عملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومحور قناة السويس، وشبكة الطرق القومية، وتطوير العشوائيات، وتوسيع مظلة برامج الدعم الاجتماعي مثل "تكافل وكرامة". هذه المشروعات لم تكن مجرد أرقام على الورق، بل انعكست على حياة ملايين المصريين، وساهمت في خلق بيئة أكثر استقرارًا ونموًا.
كما لم تهمل مصر ملف الأمن القومي، بل أعادت بناء قواتها المسلحة وتحديث تسليحها، لتكون قادرة على حماية مصالحها في كل الاتجاهات الاستراتيجية، من الحدود الغربية إلى الجنوب إلى البحر الأحمر، بما يعكس فلسفة ثورة 30 يونيو القائمة على ترسيخ مفهوم الدولة القوية العصرية، لذلك ثورة 30 يونيو باتت محطة مفصلية أعادت تعريف مصر كدولة لها هوية راسخة، ومؤسسات قوية، وخيارات استراتيجية مستقلة. وإذا كانت التحديات الإقليمية اليوم تزداد تعقيدًا، فإن التجربة المصرية تؤكد أن الشعوب التي تحسن قراءة التاريخ، وتتمسك بوحدتها، قادرة على مواجهة كل ما يعترض طريقها من تهديدات.
واخيرا ... نجحت ثورة 30 يونيو في الحفاظ على كيان الدولة، وأعادت الاعتبار للإرادة الشعبية، ومهدت الطريق لمشروع وطني لا يزال في طور التقدم رغم التحديات، يحمل حلمًا بمصر أكثر استقرارًا وعدالة وقدرة على المنافسة، في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء.
Trending Plus