خطر الشائعات على الأمن القومى فى وقت الحروب

تعتبر الشائعة ظاهرة خطيرة تستشرى فى المجتمعات وتتزايد فى زمن الأزمات والكوارث والحروب، مثل هذه الأيام المصيرية التى يعيشها إقليم الشرق الأوسط المشتعل، وخطورة الشائعات والمعلومات المضللة تزداد فى زمن الأزمات والتوترات الإقليمية، بحيث يمكن أن تكون أكثر فتكًا وتأثيرًا من الأسلحة التقليدية.
فخطورة الشائعات من خلال الإعلام الحديث وفى مقدمته وسائل التواصل الاجتماعى وتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى المرحلة الراهنة تتمثل فى التحول إلى أحد أبرز أدوات ما يُعرف بحروب الجيل الرابع.
فالنمط الجديد من الإعلام هو رأس حربة حروب الجيل الرابع والخامس وما يليها بما يمتلك من تأثير هائل ومتنام، لدرجة أنه أصبح يقود الإعلام التقليدى فى كثير من الحروب، وأصبحت صفحات فيس بوك وتوتير مصدر الأخبار الأساسى للفضائيات والصحف الإلكترونية، وحروب الجيل الرابع هو صراع يتسم بعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحرب والسياسة والمقاتلين والمدنيين، فهى حرب يكون فيها أحد المشاركين الرئيسين ليس دولة، بل جهة فاعلة غير حكومية عنيفة.
وتعتمد حروب الجيل الرابع والخامس على نشر الفتن والشائعات ومحاولات تضليل الرأى العام، ويلجأ البعض إلى نشر شائعات مغرضة لبث حالة من الذعر والتضليل بين الناس وإرباك الأوضاع الأمنية، ويُعد الخوف والقلق من العوامل الأساسية التى تدفع الأفراد إلى التفاعل مع الشائعات، فيسعى الكثيرون إلى البحث عن معلومات تشعرهم بقدر من الطمأنينة، وقد يتجاهل البعض أهمية التحقق من صحة الأخبار ويفضلون تصديق الشائعات التى تعكس مخاوفهم مما يؤدى إلى تعزيز انتشارها بشكل أسرع.
فالشائعات هى أخبار زائفة تنشر فى المجتمع بشكل سريع وتتداول بين العامة ظنا منهم صحتها، وتفتقر الشائعات عادة إلى المصدر الموثوق الذى يحمل أدلة على صحة الأخبار، وتشكل خطرا كبيرا يهدد استقرار الدولة وأمن أجهزتها، وتخلق حالة من الفوضى والبلبلة فى المجتمع، وهو ما يتطلب أهمية توظيف وسائل الإعلام والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى، إلى جانب تنمية الحس الأمنى عند المواطن لتحصينه ضد خطر الشائعات، وهنا تظهر أهمية دور وسائل الإعلام فى مقاومة الشائعات وقت الحروب بتقديم الأخبار الصادقة وكشف الحقائق للمجتمع، ودور الأسرة الهام، التى تعد المجتمع الأول الذى ينشأ فيه الفرد، فى عملية الضبط الاجتماعى وتوجيه سلوك الأفراد من خلال التنشئة السليمة، بالإضافة إلى أن التوعية القانونية بالعقوبة والإعلان عنها يجعلها وسيلة ردع، من شأنها منع تداول الشائعات من قبل مروجيها.
فحروب الجيل الرابع بالشائعات المفبركة تعد أكثر الحروب شراسة وتسبب البلبلة، فحرب الشائعات بدأت بمنظومة لتربية الأطفال على أفكار وأدوات وأخلاق غير معتادة وغريبة على المجتمع المصرى، لخلق الخلل فى المجتمع وبث عدم الثقة فى الدولة من خلال أفلام الكارتون، ثم نشر ثقافة الإنترنت والفيس بوك وتويتر وغيرهم من مواقع التواصل الاجتماعى.
والشائعات هى عادة مجهولة المصدر وتثير الفضول، وهناك من يعرفها البعض بأنها (يطلقها الجبناء ويصدقها الأغبياء ويستفيد منها الأذكياء).
وفى إطار نشر الحقائق ومواجهة الشائعات يجب الاهتمام بالنشاط المضاد بشكل علمى ومخطط، على سبيل المثال ضرورة وجود وبشكل قوى متحدث إعلامى رسمى فى كل الهيئات العلمية والمؤسسات والكيانات، وأن يكون هناك كشف للإعلام عن كل ما هو كذب أمام الرأى العام، وتوفير البيئة التشريعية والمناخ القانونى الواضح دون غموض، ورصد الإعلام المضاد فى الخارج بكل المجالات، فموضوع الفتن والشائعات لابد وأن يتم التعامل معه فى إطار منظومة قانونية إعلامية وعلمية.
فإثارة الشائعات لها أهداف وتتنوع هذه الأهداف تماشياً مع مبتغيات مثيروها فمنها ما هو ربحي.
ومن الشائعات ما يكون خلفه أهداف سياسية وعادةً ما تحصل هذه الشائعات فى الحروب أو فى الحالات الأمنية غير الاعتيادية، وهناك هدف شخصى منبعه الفراغ واللهو من أهداف مُثيرى الشائعات، والشائعات التى تقوم على هذا المبدأ عادةً ما تحوم حول المشاهير ويقوم بها أعداء النجاح، أن خطورة الشائعات هى المساس بالأمن الوطنى، حيث تُشكّل الشائعات والأكاذيب الملفقة خطراً كبيراً يُهدد استقرار الدولة وأمن أجهزتها، فهى قادرة على خلق حالة من الفوضى والبلبلة فى المجتمع، والتشكيك بمدى مصداقية وموثوقية الجهات المسئولة فى الدولة، ناهيك عن نشر الرعب والذعر فى نفوس المواطنين، وصرف نظرهم عن قضايا هامة لا يريد المعنيون منهم الانشغال بها.
وتجعل الشائعات من الرأى العام رأياً مضللاً وقوةً ضاغطةً قد تفرض هيمنتها أحيانا على صانعى القرار فيها باعتبارها قوة اجتماعية لها وقعها بشكل لا تتحقق به المصلحة العامة، وتزيف معه الحقائق، وتُسلب به الحقوق.
وهنا يجب اتخاذ كل ما يلزم نحو مواجهة الشائعات من خلال قيام الأجهزة المختصة بتتبع مصادر الشائعات ومروجيها والتحذير والتنبيه من أخطارها من خلال الاتصال بالناس وتوعيتها والاستماع لهم وتقبل ملاحظاتهم.
والعمل على توظيف وسائل الإعلام والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى بما يفيد مواجهة الشائعات وأهمية تنمية الحس الأمنى عند المواطن لتحصينه وتقوية مناعته ضد خطر الشائعة، وذلك من خلال إدماجه لكى يعى أهمية دوره فى المشاركة فى الحفاظ على أمن الوطن واستقراره والتأكيد على أهمية دور وسائل الإعلام فى مقاومة الشائعة من خلال المبادرة والسبق الإعلامى فى تقديم الأخبار الصادقة وكشف الحقائق للجمهور، لكى يكتسب المناعة فقد أدت ثورة الاتصالات والمعلومات إلى تزايد الكم المعرفى والاتصالى بين الشعوب والجماعات وأدى ذلك إلى تزايد انتشار الأفكار والمضامين الإيجابية والسلبية وتوعية المواطن يتجلى فى عدم المساهمة فى ترديد الشائعة وتناقلها لأن ترديدها يسهم فى زيادة انتشارها وترويجها، وتجاهلها وإهمالها وعدم المبالاة أو إظهار الاهتمام بها عند سماعها من قبل أطراف أخرى.
وإشاعة أجواء من الثقة بين المواطن وبين المسئول أساسها المصارحة والمكاشفة مما يساعد على كشف الحقائق وتوضيح الكثير من الأمور التى يمكن أن تشكل بيئة مناسبة لبث الشائعات.
فالحرب الإعلامية المفروضة علينا لا تقل شراسة عن موجات الإرهاب والتطرف المسلح المدعومة من أنظمة إقليمية ودولية وأجهزة استخباراتية كبرى، والتخطيط لبناء وسائل الإعلام ودورها يجب أن يقوم بالأساس على الحرية والمسئولية للإعلامى من جهة والوعى الإعلامى للمواطن من جهة أخرى، فالعقول الفارغة يمكن أن تمتلئ بالأكاذيب، والأيدى المتعطلة تخلق ألسنة لاذعة، لذا فإن العمل والإنتاج وشغل الناس بما يعود عليهم بالنفع يساعد إلى حد كبير فى مقاومة الشائعات بالتربية الإعلامية، أو كما يسميها البعض بمحو الأمية الإعلامية، وهو امتلاك المهارات والفهم والوعى الكامل للتعامل مع وسائل الإعلام المختلفة، بوعى وذكاء ومسؤولية.
فالسبيل الأمثل لتحقيق التربية الإعلامية أو الوعى الإعلامى أو الثقافة الإعلامية، هو تدريس الإعلام فى المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة كالجامعات، لحماية النشء من أضرار الإعلام، وتدريبهم على التفكير النقدى والتحليلى فى تعاملهم مع المنتجات الإعلامية المختلفة.
ونعود ونؤكد أن معركة الوعى هى أهم معركة فى مواجهة أخطر حروب العصر، وهى حروب الجيل الرابع وما يليها، وأهم مرحلة الآن فى حماية الأمن القومى للبلاد من خطر الشائعات هو كيفية الحفاظ على قوة ووحدة وتماسك الدولة بكافة مكوناتها المدنية والعسكرية من خلال رفع وعى المواطن لحمايته من خطر الشائعات المدمر.
ففى زمن الأزمات، لا تُقاس قوة الدول فقط بعدد الجيوش أو حجم الاقتصاد، بل أيضا بمدى وعى شعوبها، فالمجتمع الواعى القادر على التمييز بين الحقيقة والتزييف، يشكل الحصن الأول فى مواجهة أخطر الأسلحة المعاصرة.
حفظ الله بلادنا وسلمها من كل شر بوعى أبنائها واصطفافهم خلف قيادتهم الحكيمة.
Trending Plus