سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 24 يونيو 1879..إبلاغ الخديو إسماعيل بفرمان السلطان العثمانى بعزله فى منتصف الليل ووالدته تخشى خروجه لمقابلة القنصلين الإنجليزى والفرنسى فى قصره

الخديو إسماعيل
الخديو إسماعيل

ذهب القنصلان الفرنسى والإنجليزى إلى الخديو إسماعيل يوم 19 يونيو 1879، لإبلاغه اتفاق الدولتين على أن يتنازل عن العرش، وكان مضمون البلاغ أن الدولتين تنصحانه بأن يغادر مصر بعد تنازله عن العرش، وأنه فى حالة قبوله بذلك سيضمنان له مخصصات سنوية لائقة به، وأن لا يحصل تغيير فى توارث العرش الذى يقضى بأن يكون ابنه الأمير توفيق باشا خلفا له، وذلك بعد 16 عاما من حكم إسماعيل لمصر، حيث تولى العرش يوم 18 يناير 1863 خلفا لعمه سعيد باشا، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه «عصر إسماعيل».

يؤكد الرافعى، أن الخديو إسماعيل تأثر بهذه الرسالة تأثرا عميقا، وشعر بالسهم المصوب إلى مركزه ومصيره، فطلب مهملة يومين ليفكر فى الأمر، ولما انقضى الميعاد جاءه القنصلان يطلبان جوابه النهائى، فأجابهما بأنه عرض الأمر على السلطان «العثمانى» وينتظر الجواب منه، ثم جاءه قنصل ألمانيا وقنصل النمسا، وطلبا إليه التنازل عن العرش مؤيدين طلب فرنسا وإنجلترا، فكان جوابه لهما مثل جوابه لزميليهما.

يذكر الرافعى، أن إسماعيل كان يأمل من الانتظار أن تختلف الدول فى طلب خلعه، وأن تنجح مساعيه لدى السلطان العثمانى عبدالحميد، وإذا أوفد إليه بالآستانة «طلعت باشا» أحد رجال حاشيته ليستميل رجال «المابين» إلى جانبه وزوده بالمال والرشا والهدايا، ولكن السلطان أعرض ونأى بجانبه، ويرى الرافعى أنه قد يكون لقلة المال الذى عرضه إسماعيل كرشوة سببا فى انصراف السلطان عنه، أو أنه رأى أن الدول مجمعة على التخلص منه فاستقر عزمه على أن يستجيب لطلبها، وينتقد الرافعى موقف الحكومة العثمانية «الحمقاء» حسب وصفه، مضيفا: «إقصاء إسماعيل عن الحكم وخلعه بإرادة الدول هو تمكين لهذه الدول من التدخل فى شؤون مصر تحقيقا لمطامعها الاستعمارية، إذ لا يوجد تدخل أقوى من إسقاط صاحب العرش عن عرشه، وهكذا كانت سياسة تركيا نحو مصر قائمة على سوء النية وقصر النظر».

يكشف «نوبار باشا» رئيس النظار، فى مذكراته، أن إسماعيل كان قد قرر بالفعل التنازل عن العرش، لكن بعد قليل من الوقت سحب هذا القرار، حيث شجعه تلغراف تلقاه من وكيله فى تركيا على المقاومة، وتقريبا طمأنه تماما مما جعله يتخذ قرار التراجع، ولكن عقدت جلسة مجلس الوزراء برئاسة السلطان، لأنه لم يكن يليق بالامبراطورية أن يتناول إسماعيل بناء على رغبة القوى العظمى بعيدة عن السلطان، فلم يكن إسماعيل أميرا مستقلا بل كان مرتبطا بحاكمه الأعلى بموجب الفرمانات، فكان على حاكمه اتخاذ الإجراءات ضده، فقرر المجلس عزله، ووصل إلى إسماعيل تلغراف بعزله، وتلغراف آخر ذهب إلى ابنه توفيق بتعيينه خديوى على مصر يوم 24 يونيو 1879.

شهد تلقى الخديو إسماعيل لخبر عزله دراما من نوع خاص وقعت فور وصول برقية السلطان العثمانى التى تأمر بذلك، ويذكر «إلياس الأيوبي» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل باشا» أنه فى ليلة 24 يونيو، مثل هذا اليوم، 1879، وبعد أن تجاوز الوقت منتصف الليل، كانت هناك مقابلة عاجلة مع الخديوى إسماعيل فى قصر عابدين، ولم يصبر قناصل فرنسا وإنجلترا وألمانيا حتى الصباح، فأسرعوا مهرولين إلى القصر، ويضيف «الأيوبى»: «لما عرف فى دار الحريم أن الأوربيين يطلبون مقابلة الخديو فى تلك الساعة من الليل، وقع الصوت وقامت القيامة، وعجت الدار بمن فيها عجا لا يوصف، وخافت سمو الوالدة أن يكون هناك مكيدة ضد حياة ابنها، فرجته بعدم الخروج، ولكنها لما علمت أن الأوروبيين إنما هم قناصل ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وأن شريف باشا بصحبتهم، رضيت أن يقابل زائريه.

يضيف «الأيوبى»، أن الخديو نزل منفعلا جدا، وسأل: «ما الخبر؟»، فأبلغوه: «لا بد من استقالتك»، فأظهر تكدرا من أنهم أقلقوه فى هذا التوقيت غير المناسب حتى يبلغوه بهذا الخبر، وأصر على رفضه الاستقالة، وانتهت مقابلة منتصف الليل ليشهد اليوم التالى 25 يونيو 1879 تطورات مثيرة، أهمها أن إسماعيل كان مزودا برغبة أن يقابل «القوة بالقوة»، طالما لا يستطيع التمسك بحقوقه الأدبية، فأمر بإعداد مشروع مرسوم يرفع عدد الجيش المصرى، وناقش أمر إغراق الأراضى المحيطة بالإسكندرية لمنع الأعداء من التقدم إلى داخل البلاد، واستدعى إليه كبار ضباطه، واستوثق من إخلاصهم وولائهم، ولكنه وجد منهم فتورا، وقرأ التردد على وجوه معظمهم، وعزم التخلى عنه على وجوه البعض، وأكد له أحد المخلصين أنه لا ينتظر أن يقوم الجند المصرى بنصرته، إذا كان العزل بإرادة سلطانية، فأدرك أن اللعبة ضاعت وأن الأمر قد قضى، واستعد للرحيل.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى