اتفاق الضربات المحدودة.. حين تتصافح المدافع تحت الطاولة

محمود بدر
محمود بدر
بقلم محمود بدر

لم تكن حربًا، بل مشهدًا مدروسًا في مسرح كبير، أُضيئت أنواره بضرب قاعدة، وأُسدل الستار بعدها بهدوء. كل الأطراف خرجت كما دخلت، إلا من بعض الرماد على الملامح، وخوفٍ مصطنع في العيون.

ضُربت قاعدة “العديد” في الخليج، فارتفعت الأصوات في المنطقة، واهتزت الشاشات، وبدأت التكهنات. لكن شيئًا في الخلفية كان يُحاك. شيء يشبه الرضا العام. إيران لم تصرخ، وإسرائيل لم تستنفر، وواشنطن اكتفت بنظرة صامتة.. كأنها كانت تعلم.
كأن كلّها اتراضت.


فـالكيان الصهيوني لم يتحرك هذه المرة لمجرد الاستعراض، بل بدافع القلق. رأى في لحظة ضعف حزب الله وسقوط نظام الأسد فرصة ذهبية لتصفية الحساب مع الشبح النووي الإيراني. لكنه حين نزل إلى ساحة الاشتباك، اكتشف أن ظلّ إيران أطول من المتوقع، وأن القبة الحديدية تتنفس بصعوبة، والملاجئ تمتلئ وتختنق وترتجف من فرط صوت الانفجارات القريبة وكل من فيها يحلم بالفرار من هذه الأرض التي تحولت لطريق يودي للموت وصدى انفاس الخائفين يلعن في الشهيق والزفير نتنياهو الذي اوحلنا هنا
فلم يكن أمامه سوى أن يرفع سماعة الهاتف، ويستدعي الحامي القديم: الراعي الأمريكي.


جاء الدعم كما يجيء دائمًا: بطيئًا لكنه محسوبًا، على وقع الضربات المتبادلة، وبإخراج لا يسمح بالانفجار الكامل ولا التراجع المذل.

أما واشنطن، فكانت حاضرة بعينها وإن لم تُطلق رصاصة. راقبت المشهد من خلف الزجاج، وسجّلت هدفًا استراتيجيًا دون أن تنزل الملعب. اختُبر رد الفعل، وانطفأ اللهيب بسرعة مُريبة.

وإيران؟
بقيت. النظام لم يسقط، العاصمة لم تُقصف، الوليّ الفقيه لم يُخلع، بل ربما جلس مساء ذلك اليوم يتلو آيات النصر على شعبه، ويخبرهم أن بقاء الجمهورية في حد ذاته “إنجاز”.
وهكذا خرج الجميع منتصرًا… في روايته الخاصة.

لكن الحقيقة كانت في منتصف الطريق: الكل ربح قليلًا وخسر كثيرًا، والدم وحده الذي لم يُسأل عن رأيه.

**

هكذا تُدار الحروب في زمن ما بعد الحقيقة. لا منتصر ولا مهزوم. فقط اتفاق ضمني على سقف الخسارة وحدود الضربة.
تُصاغ المعارك كما تُصاغ العروض السياسية: توازن مطلوب، رعب محسوب، وانفجار مضبوط التوقيت.

والأهم؟
الإبقاء على فزاعة الملالي في المشهد. لا لإسقاطهم، بل لاستمرار وظيفتهم: إخافة الخليج، حلبُه، وابتزازه. لا يُراد لهذه الفزاعة أن تنهار، بل أن تظل واقفة على قدمٍ واحدة، تتمايل بما يكفي لإثارة الفزع، وتثبت بما يكفي لعدم الانهيار.

من هنا، نفهم لماذا الحرب بدأت وانتهت في خبرٍ عاجل. ولماذا لم يُفتح باب التصعيد، بل أُغلق خلفه بإحكام.
نفهم لماذا كانت كل المؤشرات تقول: “لا حرب”، رغم دخان الضربة. ولماذا خرج الجميع يقول: “انتصرنا”، رغم غياب المعركة.

لأنها ببساطة… ليست حربًا، بل مشهد.
والكل اتفق على السيناريو، والكل قبض ثمن الدور.

ولأن هذا زمن الوظائف لا المبادئ، والحروب لا تُخاض إلا لأغراض قابلة للمقايضة، فإن كل قصفٍ الآن يحمل في داخله فاتورة، وكل قاعدة تُضرب يُنظر إلى رمادها لا كدمار، بل كإيصال استلام.

هكذا تُكتب نهاية الحروب قبل أن تبدأ.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

آخر موعد لقيد اللاعبين فى القوائم الأولية للأندية استعدادا للموسم الجديد اليوم

الزمالك يُنهي التعاقد مع المدرب الأجنبي الجديد..والإعلان الرسمي خلال 48 ساعة

السيناريست ناصر عبد الحميد: أغنية اسم المسلسل تعبر عن العلاقات

اعرف أماكن استخراج بطاقة الرقم القومى "الفورية" على مستوى الجمهورية

البرازيل والأرجنتين الأكثر تسجيلًا للأهداف في كأس العالم للأندية 2025


قرية أبرق.. جوهرة محمية جبل علبة وأهم قطاعاتها وكنز الجنوب التاريخي والطبيعي.. بها نقوش تدل على آثار الإنسان ما قبل التاريخ.. تحوي بقايا قلعة رومانية قديمة.. وينتشر بها العشب مطلع الربيع والشتاء كل عام.. صور

مصرع 3 من أسرة واحدة فى انقلاب سيارة من أعلى كوبرى قويسنا بالمنوفية

حبس السائق المتسبب فى مصرع 19 شخصا بالمنوفية وإجراء تحليل مخدرات له

تنسيق الجامعات 2025.. القائمة الكاملة للجامعات التكنولوجية

موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو في كأس العالم للأندية


عرايس الجنة.. كفر السنابسة تبكي بناتها بعد مصرع 19 في حادث المنوفية (فيديو)

بعثة شباب اليد تعود للقاهرة فجر الثلاثاء بعد تحديد مراكز بطولة العالم

ترتيب هدافى كأس العالم للأندية قبل انطلاق دور الـ16

أخبار 24.. شروط الالتحاق بمدارس المتفوقين للعام الدراسى 2026

تقارير: زيزو على رادار بشكتاش وفناربخشه فى تركيا

مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: لا أخفيكم سرا أنا جائع "فيديو"

بعد مصرع 19 فى حادث المنوفية.. أدعية الاستعاذة من فواجع الأقدار

سعد الصغير بعد تخرج ابنته فى الجامعة: "وش السعد أحسن واحدة في الدنيا"

انهيار وإغماءات بين أسر ضحايا حادث الطريق الإقليمى خلال الجنازة.. فيديو

قبل زفافهما المرتقب.. من هى لورين سانشيز خطيبة ملياردير "أمازون" جيف بيزوس ؟

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى