عصام عبد القادر يكتب: التعلم مدى الحياة والتربية المستدامة لأبناء جيل ألفا.. الأنشطة التي تخلق الابتكار.. استثمار التقنية لصالح البيئة

عندما يهتم الجيل بشئون الكوكب، الذي يعيش عليه، بأن يتبع كافة الممارسات، التي من شأنها أن تحافظ على مقدرات البيئة، وتصون مواردها الطبيعية، وأن يهتم بالبناء الاجتماعي؛ فيعضد ماهية العدالة، ويتكافل، ويتكاتف؛ من أجل تحقيق مستويات الرضا المجتمعيّ؛ كي يعزز فلسفة التعايش السلميّ، والاستقرار، والسَّلام الداخليّ، والخارجيّ، ناهيك عن الاهتمام الأصيل بأُطر التنمية الاقتصادية، التي تلبي الاحتياجات، والخدمات، المتطلبة من أجل حياة أفضل، وهذا مجتمعٌ يقع تحت مفهوم التربية المستدامة، التي نودُّ أن نغرس معانيها في صورة صحيحة بأذهان جيل ألفا.
أضحى الاهتمام بقضية التعلم مدى الحياة الشغل الشاغل، لدى المهتمين، والمعنيين بشأن استثمار الطاقات البشريّة، وبناء الإنسان، في ضوء غايات الوطن، وفي خضمّ الفلسفة المُنْتقاة، التي يقوم عليها الفكر الجمعيّ؛ لذا فقد بات جيل ألفا في حاجة ماسَّة بأن نقدم له المعارف المتجددة، التي تتضمن فيض الخبرات المتطلب اكتسابها؛ كي يحوز الوجدان الزاخر بقيم المجتمع النبيلة، ويدرك مدى أهمية غايات الوطن العليا، التي قطعًا سيشارك في تحقيقها، ويقدم ما يلزم من أطروحات، ومقترحات، تسهم في تقدم بلده، وازدهارها، بما يساعد في أن تنطلق سفينة التنمية نحو المرامي المنشودة.
نعيش في حقبة متسارعة ترتبط بالتطور التقنيّ، الذي بات يشغل القاسم، والعامل الأكبر في شتَّى مجالات الحياة بكافة تنوعاتها، وهذا يوجب علينا أن نصمّم مناهج مرنة، تتضمن أنشطة تفتح آفاق أبناء جيل ألفا نحو واحات الفكر المنتج؛ فيصبح الفرد قادرا على تبنى رؤى طموحة تجاه مستقبله؛ فيستطيع أن يتكيف مع المتغيرات، التي تطرأ على الساحة، سواءً المجتمعيَّة منها، أو الاقتصاديَّة، أو العلميَّة، أو الخدميَّة.
الجيل ألفا يحتاج إلى قدْح الأذهان؛ فلديه الاستعداد التام لهذا التوجه، الذي يسهم في استمطار ما لدى الفرد من أفكار ملهمة، تحمل في طيّاتها أُطروحات يُوصف بعضها بالأصالة، والبعض الأخر بالمرونة؛ ومن ثم تتخلق رؤى مستدامة، تضيف إلى مستودع المعرفة؛ فيُصرُّ هذا الجيل المُتفرّد مُنْتجًا، لا مستهلكًا للمعرفة، كما يدشّن للطرائق، التي تتناسب مع عقد شراكات خاصة مع الآخر؛ حيث يمتلك مهارات التواصل الكليّ، التي تسمح له بأن يتبادل الخبرات بسهولة، ويسر، عبر القنوات التقنيَّة، التي قد أضحى التعامل معها متاحًا على مدار اللَّحظة.
حداثة المحتوى في حدِّ ذاته ليس الغاية من وراء تصميم المناهج في صورة جديدة؛ لكن ما يعْنينا من هذا الأمر هو مقدرة منتسبي جيل ألفا على التطبيق، سواءً أكان على المستوى التقنيِّ المُفضَّل بالنسبة له، أم في الواقع العمليِّ الذي قد أثبت أنه شغوفٌ تجاه الانغماس في مفرداته، وعملياته، وآلياته؛ فقد رأينا مدى تمكّنه من مهارات العلم الأساسيّة منها، والتكامليّة؛ حيث يمكنه التحليل، واستخراج البيانات التي يستثمرها بكفاءة كمعطيات رئيسة في تحقيق إنجازات عديدة، قد لا ترد على خواطرنا، وهنا يتوجب أن نُضمِّن مناهجها الأنشطة، التي تتحدَّى ملكات هذا الجيل، وتجعله قادر على العطاء المستدام؛ ليحدث النقلات النوعيَّة المرتقبة منه في شتَّى المجالات التنْمويَّة.
المشروعات التعليمية، التي تحمل غايات المستقبل تُعدُّ مناشبة للجيل ألفا؛ كونها تعتمد على فلسفة عصف الأذهان، وتقوم على مُعطيات تستخلص من زخم معرفيّ، متوافر يستطيع الفرد أن ينتقي منه ما يتناسب مع جوانب القضيَّة التي يتناولها، وهنا نتطلَّعُ إلى المزيد من الاستكشافات على يد هذا الجيل، الذي يعشق الابتكار فيما يؤديه من أعمال، وممارسات؛ ومن ثم فالاحتياج الرئيس للفرد يكْمن في ضرورة توفير المحتوى المرن، الذي تتوافر في مكنونه معاني المرونة في التناول، وبناءً عليه تستثمر كافة النتائج، التي يتم التوصل إليها؛ حينئذٍ يشعر أبناء جيل ألفا بالرضا تجاه ما يُقدّمونه من نتاج متفرِّد.
نودُّ ألا نهمل تغذية الوجدان لدى أبناء هذا الجيل من خلال غرس القيم النبيلة، وبدعم العاطفة، التي قد ينالها الفتورُ، جرَّاء الساعات العديدة، التي يقضيها منتسبو هذا الجيل أمام الشاشات بكافة أنماطها، وتنوَّعاتها؛ لذا نؤكد على ضرورة تقوية العلاقات الاجتماعيَّة في الواقع المُعاش؛ كي لا يصبح الفرد أسيرًا لدى ما تفرضه عليه التقنيات الرقميَّة من علاقات افتراضيَّة، قد تتناسب مع خصائصه، وقد ينخدع فيها بعد مرور وقت ليس بالقليل، وهنا يتوجَّبُ أن نهتمَّ بالأنشطة، التي تعزّز فلسفة الاجتماعيّة لدى الفرد؛ فيبادر بالتعارف، وعقد الحوارات، والمناقشات البنَّاءة سواءً، داخل المؤسسات التربوية، أو خارجها؛ لتنضج المشاعر، والأحاسيس بصورة صحيحة في المُكوّن الوجدانيّ لدى أبناء هذا الجيل.
أعتقد أنه كلما ربطنا أبناء جيل ألفا بالأحداث الجارية، ووظَّفنا ما نقدّمه له من خبرات في تناول القضايا، التي تواجه المجتمعات المحيطة به كي يحدث الربط الوظيفيِّ من خلاله؛ ومن ثم يسعى إلى المزيد من حُبِّ الاستطلاع؛ كي يتمكن من إيجاد حلول غير تقليدية للتحديات، والمشكلات المتضمّنة بالقضايا المطروحة، وهنا نتوقع أن يكتسب الفرد جديد الخبرات بصورة مستمرة، كما يحرص على توظيف أدوات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في حلِّ الأزمات، التي تواجهه بأسلوب منهجيٍّ، يقوم على لغة المنطق، والتجريب، وهذا ما يحقق لدينا ماهيّة الاستدامة التربويَّة في إطارها الصحيح.
في ضوء ما تقدم يتوجب أن ندرك أهمية استثمار التقنية لصالح البيئة من خلال ما يقدّمه هذا الجيل المِعْطاء في الميدان؛ لذا علينا أن نرس لدى أبناء هذا الجيل حُبِّ الاستقصاء، والاستكشاف نحو الظواهر الطبيعيَّة المحيطة بنا، وعلينا أن يجعله مُنْغمسًا في تحليل كل ما يؤثِّرُ على البشر، وسلوكه؛ ومن ثم يحاول رسم صورة المستقبل، الذي قد يعيش فيه الإنسان بعيدًا عن تهديدات، قد خلقها السابقون جرَّاء أحداث مؤلمة قد ألمَّتْ بالمجتمعات، وهذا ما نطلق عليه الشعور الكامل بالمسئولية، من قِبل الفرد تجاه بني جنسه.
أرى أن التغيُّر في نمط التربية، وما يتبعه من تطوير في المناهج، وتدْشين لأنشطة تخاطب العقل، وعلى وجه الخصوص مهارات التفكير العليا لدى أبناء جيل ألفا، ليس كافيًا في حدِّ ذاته؛ فعلينا أن نعي أهمية خلْق حميَّة جسديَّة، ومعنويَّة لدى الأبناء، وهذا مرهونٌ ببراعة تصميم المناهج، التي تجعل الفرد يطالع سوق العمل المستقبليِّ، ويدوُّن ملاحظاته الخاصة لما يدور حوله من أحداث، ويبنى سيناريوهات تتضمن في طيّاتها مشروعات طموحة، يتحدى بها تغيرات المستقبل في ضوء منهج علمي قائم على صحة النتائج ودقة الحقائق.
المسئولية تجاه رعاية هذا الجيل صاحب المهارات المُتفرِّدة التشاركية، والحصاد المنشود يتأتَّى جرَّاء تعزيز فلسفة التعلم مدى الحياة، والتربية المستدامة لأبناء جيل ألفا، وهنا نتحدث عن صبر جميل، ومثابرة وصدق في التناول؛ لنبني إنسان يحمل بين جنباته الهويّة الوطنيَّة، التي تحثه على إعمار وطنه، وصوْن مُقدَّراته.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
Trending Plus