عندما بدأت الأمة تأريخها.. حكاية التقويم الهجرى على يد عمر بن الخطاب

لم تكن الهجرة النبوية مجرد لحظة نجاة، بل كانت لحظة ميلاد أمة، ومن بين محطات السيرة النبوية كلها، اختار عمر بن الخطاب ـ بحكمة القائد وبصيرة المؤسس ـ أن يجعلها بداية لتقويم يُسجل عليه الزمن الإسلامى نفسه، فحين فكر الفاروق فى أن يكون للدولة الإسلامية تأريخها الخاص، لم يتجه إلى لحظة الميلاد أو البعثة أو حتى الوفاة، بل إلى لحظة التحول الهجرة، التى انتقلت فيها الدعوة من الحصار إلى التمكين، ومن الضعف إلى البناء.
فكر الخليفة عمر بن الخطاب فى الدولة الإسلامية وأن يكون لها تقويم خاص بها، لذا سعى بقوة لوضع تقويم إسلامى، وحتما أثيرت مناسبات عدة منها مولد الرسول، صلى الله وعليه سلم، وبعثته ورحيله، لكن ذكاء عمر بن الخطاب أدرك أن لحظة الهجرة النبوية هى التى مثلت الفارق الكبير فى استمرار هذه الدعوة.
ويحتفل المسلمون غدا ببداية العام الهجرى الجديد 1447، وذلك اعتمادا على التقويم الهجرى الذى أنشأه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تبعا للآية 36 من سورة التوبة "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ".
وجاء ذلك التقويم بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فى ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان يوم 1 المحرم من عام 17 للهجرة بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الهجرى.
فهجرة النبى صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنورة لم تكن فى بداية شهر محرم الحرام، بل كانت بعد شهرين، أى فى بداية شهر ربيع الأوّل وبالتحديد 22 ربيع الأول.
وحول التقويم الهجرى قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، في إحدى تصريحاته التليفزيونية، "علينا أن نُعيد للتقويم الهجري مكانته في حياتنا، وأن نُحيي ارتباطنا بالشهور العربية، فهي ليست مجرد أرقام، بل هي مواقيت أنزلها الله لنعرف بها ديننا، ونعيش بها هويتنا، ونربي بها أجيالنا".
وغدًا، ونحن نستقبل العام الهجري الجديد 1447، فإننا لا نحتفي برقم على الورق، بل نُحيي تقويماً تأسس على رؤية عظيمة لقائد رأى في الهجرة روحًا جديدة لأمة خالدة، لقد كان عمر بن الخطاب يدرك أن التأريخ لا يكتب بالسنوات، بل بالمعاني، فاختار لحظة التحول لتكون مفتاح الزمن الإسلامي، فليكن العام الجديد فرصة لإحياء معاني الهجرة في نفوسنا من تجديد النية، وتجاوز المحن، والانطلاق نحو بناء ما يبقي هذه الأمة حية في الزمان والمكان.
Trending Plus