كلامٌ بطعم العسل ولسعة الإبرة

الكلام كالنحل، لا يخرج فارغًا، إمّا أن يُهديك عسلًا يُحلي قلبك، أو يلسعك بإبرة تترك أثرًا لا يُرى بالعين، لكنه يبقى في الروح طويلًا.
نعم، الكلمة لا تُرى، لكنها أقوى من الرصاص، وأسرع من الضوء، وأعمق من الطعنات.
من قال إن الكلام مجرد صوت؟ الكلام قرار، سلاح ذو حدّين، أحدهما للمدح والطمأنينة، والآخر للخذلان والتجريح، الكلمة الواحدة قد تُصلح ما أفسدته سنون، وقد تهدم ما بُني بالعُمر كله.
منّا من يتقن صُنع العسل في الحديث، يجيد أن يزرع كلماتِه على مهل، كأنها ورودٌ تُزهر في طريق الآخر، ومنا من لا يعرف من اللغة إلا الإبرة، يُنقط كلامه سمًا وادعاء، يُخفي طعنه بين ضحكة، ويُغلف قسوته بلباقة.
الكلام فن، لكنه أيضًا مسؤولية، فلسان لا يزن ما يقول، إن لم يكن وراءه عقل يزن، ورب كلمة خرجت عفوية، فمزّقت قلبًا كان لا ينقصه إلا جُرح صغير، ورب صمتٍ أنقذ ما لم يستطع الكلام إصلاحه.
من يُجيد الكلام لا يُكثره، ومن يحترم المعنى لا يبعثره، الكلمات الغالية لا تُقال كل يوم، والعبارات الحقيقية لا تحتاج إلى زخرفة، هي ببساطة تدخل القلب لأنها صادقة، وتُغادره لأنها مؤثرة.
في بيوتنا، في أعمالنا، في صداقاتنا، كثيرًا ما نُطلق الكلام كأنه شيء عابر، لا يُحسب ولا يُراجع، ننسى أن للقلوب ذاكرة، وللآذان شعور، وأن من يسمعك الآن قد يحمل كلماتك في قلبه مدى الحياة، إما بلسمًا، وإما ندبة.
الطفل الذي يسمع كلمة تشجيع ينمو بثقة، والموظف الذي يسمع كلمة تقدير يُجيد العطاء، والعاشق الذي يسمع كلمة حانية يُرمم انكساره، أما من يسمع السخرية، واللوم القاسي، والتحقير المتكرر، فقد يعيش بنصف روح.
فلتكن كلماتنا كالقطر، قليلة، لكنها تُسقي، كالعسل، حلوة، ولكنها لا تُفرط في السكر، ولنجعلها كالنحل، تعمل بصمت، ولا تلسع إلا حين يُهدَّد بيتها.
فلنختر كلماتنا كما نختار هدايانا، بعناية، وبنيةٍ طيبة، وبإحساس.
فالكلام إن خرج عاد، يُقال في المثل إن الجدران لها آذان، لكن الأصدق أن القلوب هي التي تحتفظ، وتفرز بين العسل والإبر، حتى لو طُلي كل شيء بماء الذهب.
Trending Plus