واثق الخطوة يمشى «لايكًا».. غزة وطهران وتل أبيب فى مزاد الألتراس!

بعد أن دخلت المواجهة بين الاحتلال وإيران هدنة، أو وقف إطلاق نار، بدأت - بسرعة ومن دون أى مقدمات أو معلومات - عملية تقييم ما جرى، تماما مثل التحليلات التى استمرت طوال مدة المواجهة، أو الجولة، وهى أحد مظاهر أو علامات أو أعراض السوشيال ميديا، حيث اعتاد كل مستخدم للمواقع، أن ينشر - أو يعيد نشر - آراء نهائية وباتّة وحاسمة، بجانب أننا لم نكن أمام «استوديوهات تحليلية» تقليدية لمباريات، بل أمام التراس يشجع ولا يحلل، من يحسم بشكل قاطع أن إيران انتصرت وأحرجت الاحتلال، ومن يشير إلى أن إيران انكشفت وظهر اختراقها بتنفيذ اغتيالات لقيادات كبرى عسكرية أو نووية.
وتحول تحليل المواجهة الخطرة، إلى مباراة «الطائرة والصاروخ» وانخرط عمقاء التحليل فى مباريات من التلاسن بعضها طائفى وعرقى، وما أسميناه «فرش ملايات» تكتيكيا، انخرط بعض السلفيين فى تكفير إيران واعتبار الشيعة أخطر على العالم من الاحتلال الإسرائيلى، بينما انخرط فريق ضد إيران أيديولوجيًا فى مهاجمة نظام الملالى والإشارة إلى أنه نظام أضاع فرص تنمية وانشغل بمد نفوذه باستعمال وكلاء أضروا بلبنان وسوريا واليمن أكثر مما أفادوا، وفريق ينحاز إلى إيران وأى فريق يقف فى مواجهة إسرائيل حتى ولو كان بالصواريخ.
وفى خضم الحرب الافتراضية بين سكان البلد الواحد، والثقافة الواحدة، غاب الفارق بين الانحياز إلى طرف فى مواجهة آخرو وبين الانغماس فى أوهام وادعاءات وإفراز أنواع من النظريات تتجافى مع الواقع، وتتناقض مع السوابق، وتتجاهل ثوابت الاستراتيجية والتكتيك، والتحولات التى فرضتها - ولا تزال - الحرب فى غزة، واختلاف التقديرات فى تقييم عملية 7 أكتوبر 2023، التى كشفت عن تفاصيل وتغييرات نوعية أطاحت بثوابت ووكلاء، واستبقت فى إضعاف جبهة إيران، أو حجم وشكل الرد الإيرانى بالصواريخ على الاحتلال، والذى كشف عن امتلاك قوة ردع حتى ولو بإيذاء واضح لعربدة وصلف إسرائيل التى تشن حرب إبادة على غزة طوال 18 شهرا، وترتكب جرائم ضد الأطفال.
والواقع أن هذا الفريق هو الذى يمكن إيجاد عذر له، وإن كان يتعامل بالعواطف، ويشعر بأن أى طرف إقليمى يستطيع إصابة الاحتلال، أو نقل الخوف من غزة لتل أبيب أو غيرها من المستوطنات، فهو يحقق نتيجة، وهو شعور نبيل، لكنه يختلف عن محاولة قراءة الواقع، ويمثل أمنيات أكثر مما يشكل قراءة عقلية أو منطقية لنتائج مواجهة بدأت قبل 18 شهرا، وتحمل مناوشات وتهديدات استمرت سنوات، بين طهران وتل أبيب.
ومن مفارقات المواجهة الأخيرة أن الرئيس الأمريكى ترامب شكر إيران وإسرائيل، وأعلن أن طهران أبلغت قبل إطلاق الصواريخ، وأن أمريكا أبلغت قبل ضرب مفاعل نطنز، وأن قطر تفهمت الموقف باتساع أفق، وهو ما أعطى الفرصة لأنصار «التمثيلية» أن يجدوا مجالا لإعادة بناء التصورات طبقا للمعطيات.
وبعد إعلان وقف الحرب أعلنت إيران الاحتفال بالنصر، وأعلنت إسرائيل الاحتفال بالنصر، وانخرط ألتراس كل فريق فى تفسير الانتصار وتبريره وتأكيد تحققه فى الواقع وحتى لو أنكر الطرف الآخر، ونجد بوستات واثقة الخطوة تمشى «لايكًا»، تتبنى الحسم فى إعلان النصر، لإيران، أو العكس، وهى عمليات تصفيق - أو تصفير - مسلية، لكن لا علاقة لها بما تحقق.
والواقع أن بعض مستخدمى ورواد الإنترنت العاديين، أو الجمهور الذى ننتمى إليه، يبدون أكثر تفهما من أعضاء النخب ومن يقدمون أنفسهم على أنهم عمقاء فى الاستراتيجية والتكتيك، ونظريات «الجيوسياسة، والمورفواستايك»، الجمهور يتعاطف ولا ينكر الواقع، ويتفهم بقلبه موقف بلاده، وما حولها، وهذا الجمهور يفرق بين ما يريده وما يتوقعه وما يحدث بالفعل، والحقيقة أن المواجهة بين إيران وإسرائيل لم تكن وضعت أوزارها، حتى سارع عمقاء التحاليل الفارغة، إلى إعلان انتصار إيران أو إسرائيل، وفوز غزة، وهى أشياء يتمناها أى طرف مع فلسطين، لكنها أبعد ما تكون عن التحقيق بعد دمار ممتد بلا أفق، وإجرام من نتنياهو وفريقه المتطرف فى حكومة الاحتلال.
وبناء عليه، وقبل إعلان الفائز والخاسر فى مباراة الطائرة والصاروخ، فإن البحث عن نقاط يمكن اعتبارها بداية دعم لغزة، التى دفعت - ولا تزال - ثمن تدخلات خارجية واستعراض نفوذ بعيدا عن الواقع، يصعب حساب المكسب والخسارة، وسط دمار غزة، بهذا الشكل، بينما يجب البحث عما يفيد بعد خروج حلفاء افتراضيين من الخدمة، بالتصريحات والتهديدات.

Trending Plus