تعرف على حكاية الهجرة النبوية من الأسباب وحتى الدروس المستفادة منها

الهجرة النوبية
الهجرة النوبية
كتب لؤى على

قالت وزارة الأوقاف تبقى الهجرة النبوية حدثًا عظيمًا في تاريخ الإسلام، ليست مجرد قصة تُروى، بل هي منهل نستقي منه الدروس والعبر في كل زمان ومكان، إنها تذكير دائم بأن التحديات مهما عظمت، والألم مهما اشتد فإن هناك - دائمًا - أمل في التغيير نحو الأفضل، متى توافر الإيمان الصادق والعمل الدؤوب، إنها قصة انتصار الإرادة على القهر، وبناء النور من رحم الظلام، وإرث لا يزال يلهم المسلمين في كل أنحاء العالم.

أسباب الهجرة النبوية


قبل بزوغ فجر الإسلام كانت مكة مدينة تسيطر عليها قريش، وتغرق في عادات وتقاليد متجذرة، وتعتمد على التجارة والعبادة الوثنية، وحينما ظهر الجناب المعظم - صلى الله عليه وسلم - بدأ نور الإسلام يتسلل إلى القلوب، داعيًا إلى التوحيد والعدل، فقوبلت هذه الدعوة بالرفض والتضييق، فلم يمر وقت طويل حتى تحول الرفض إلى عداء صريح ثم إلى اضطهاد ممنهج يهدف إلى إخماد جذوة الإيمان في مهدها؛ لذلك كانت الهجرة من مكة إلى يثرب في هذا السياق ضرورة حتمية، لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت محطة فاصلة، نقطة تحول في تاريخ أمة ودين.

لقد عاش المسلمون الأوائل في مكة لحظات قاسية من التعذيب والاضطهاد، سُطرت في صفحات التاريخ بمداد من الألم والصبر، فلم تكن قريش تفرق بين رجل أو امرأة، كبير أو صغير، في سعيها لإجبار المسلمين على التخلي عن دينهم، فقد تعرض بلال بن رباح - ذلك الصحابي الجليل - لأبشع أنواع التعذيب؛ حيث كان يُلقى على الرمال الساخنة في حر الظهيرة، وتوضع الصخور الثقيلة على صدره، لكن صوته كان يصدح بـ(أحدٌ أحدٌ).

أما قصة آل ياسر فكانت أكثر إيلامًا، فـسُميَّة أول شهيدة في الإسلام، استقبلت الموت بصدر رحب، ولم تتزحزح قيد أنملة عن إيمانها.

ولم يقتصرِ الاضطهاد على التعذيب الجسدي الذي أرهق الأجساد، بل امتد ليشمل المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها قريش على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم في شعب أبي طالب لثلاث سنوات، عانى المسلمون من الجوع والعطش، فلم يتمكنوا من البيع أو الشراء حتى أكلوا أوراق الشجر.

كانت تلك السنوات امتحانًا قاسيًا لصبرهم وثباتهم، لكنهم لم يفقدوا الأمل، بل ازدادوا يقينًا بأن نصر الله آتٍ لا محالة، بالإضافة إلى ذلك لم تسلم نفوس المسلمين من الاضطهاد النفسي واللفظي، فكانت السخرية والاستهزاء والإشاعات المغرضة سلاحًا آخر بيد قريش لمحاربة الدعوة، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل أمام إيمان راسخ وصبر لا ينضب.


الهجرة إلى الحبشة


في ظل هذا المناخ الخانق بات البحث عن مأوى آمن ضرورة ملحة، كانت البداية مع الهجرة إلى الحبشة، تلك الأرض البعيدة التي حكمها ملك عادل يسمى النجاشي؛ حيث وجد المسلمون ملاذًا مؤقتًا، وحماية لدعوتهم من بطش قريش، وقد فشلت قريش في استعادة المهاجرين، وزاد ذلك من غيظها، لكن الحبشة لم تكن الحل الدائم، فسرعان ما عاد بعض المهاجرين، وكانت الحاجة إلى مكان دائم وراسخ لإقامة الدولة الإسلامية.


رحلة الإسراء والمعراج


حاول النبي - صلى الله عليه وسلم - البحث عن هذا المأوى في الطائف، لكنه قوبل بالرفض والأذى، فكانت هذه المحاولة لم تحقق النتائج المرجوة، ومع ذلك لم ييأس فقد سلم أمره لربه، ورفع أكف الضراعة إليه في كلمات لا تخرج إلا من فم نبي، فكان التشريف والتعظيم للنبي - صلى الله عليه وسلم؛ حيث رحلة الإسراء والمعراج، وهي ليست مجرد رحلة عبرالزمان والمكان، بل تجل إلهي لعظمة الخالق وقدرته المطلقة، وشهادة ساطعة على منزلة النبيِّ الكريم محمد - صلّى الله عليه وسلّم.

فبينما كان الوجود يغط في سبات عميق، جاءَ النداءُ الإلهيُّ لقلبٍ طاهرٍ آمن، وقلب أرهقته صعاب الدعوة، وكربات الحياة، فقد أسري بمحمدٍ - صلّى اللهُ عليه وسلّم - من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى، تلكَ البقعة المباركة التي حملت في طياتها تاريخ الأنبياءِ والرسالات، ولم تكن هذه المسافة لتُقاس بمقاييس البشر، بل كانت إشارة إلى ترابط الرسالات وتكامل البِناء الإيماني؛ حيث التقى النبي الكريم بإخوانه من الأنبياء وصلى بهم إمامًا، في مشهد مهيب يُرسخ وحدانية الرسالة وشمولية الدين.


البيعة مع الأنصار


وبعد هذا الاحتفاء والاحتفال بالجناب المحمدي الشريف جاء الفرج من يثرب، تلك المدينة التي عرفت لاحقًا بـ(المدينة المنورة)، فبدأت الاتصالات مع أهلها عبر بيعات العقبة؛ حيث أبدى الأنصار - أهل يثرب - استعدادهم التام لاستقبال المسلمين وحمايتهم، لتكون هذه البيعات إيذانًا ببدء مرحلة جديدة.


التخطيط للهجرة النبوية


لم تكن رحلة الهجرة من مكة إلى يثرب مجرد انتقال عادي، بل كانت رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر، تطلب تخطيطًا دقيقًا وسرية تامة، قاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق هذه الرحلة بتوفيق من الله، وبتوزيع للجهود والأدوار في تناسق عجيب، بمساعدة سيدنا علي بن أبي طالب الذي نام في فراش النبي ليضلل قريش، وعبد الله بن أبي بكر الذي كان ينقل الأخبار، وأسماء ذات النطاقين التي كانت تجهز الطعام، وعامر بن فهيرة الذي كان يمحو آثار الأقدام، وعبد الله بن أريقط الدليل الأمين.


الاستقبال العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة


كانت قريش تلاحقهم بكل ما أوتيت من قوة، فكان الخوف من المجهول يلف كل خطوة،  لكن الله كان معهم، فكانت معجزة غار ثور؛ حيث نسج العنكبوت خيوطه وبنى الحمام عشه على فم الغار؛ ليحجب أعين المشركين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، ليمروا بسلام من أمام الغار دون أن يروهما  وبعد أيام من السير المتواصل وصلت طلائع المهاجرين ثم تبعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يثرب، فكانت لحظة الوصول عظيمة؛ حيث استقبل أهل يثرب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين بحفاوة بالغة وأهازيج الفرح في مشهد ينم عن مدى التوق والشوق إلى هذا اللقاء المبارك.


بناء المسجد النبوي


مع الاستقرار في يثرب التي تحول اسمها إلى (المدينة المنورة) بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في وضع الأسس لبناء الدولة الإسلامية الجديدة، كانت أولى أولوياته فور وصوله بناء المسجد النبوي الشريف، فلم يكن المسجد مجرد مكان للعبادة فحسب، بل كان النواة التي دارت حولها كل جوانب الحياة في المجتمع الجديد، وشارك المهاجرون والأنصار على حد سواء في بناء المسجد بأيديهم، بساطة تصميمه كانت تعكس روح التواضع والعمل الجماعي التي ميزت تلك الفترة، كان المسجد مركزًا للعبادة؛ حيث تؤدى الصلوات وتتلى آيات القرآن الكريم، ولكنه – أيضًا - تحول إلى منارة للتعليم والتوجيه؛ حيث كانت تقام فيه الدروس والحلقات العلمية،  كما كان مركزًا للقضاء والإفتاء، ومكانًا لاستقبال الوفود وإدارة شئون الدولة، بل حتى مأوى للمهاجرين الفقراء الذين عرفوا بـ(أهل الصفة).


المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار


إلى جانب بناء المسجد رسّخ النبي - صلى الله عليه وسلم - مبدأ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فكانت تلك المؤاخاة معجزة اجتماعية حقيقية، تجاوزت الفوارق القبلية والعصبية، فصار كل مهاجر أخًا لأنصاري، يتقاسمان الرزق والبيوت والمشاعر، أثمرت هذه المؤاخاة مجتمعًا مترابطًا، قائمًا على التكافل الاجتماعي والتآزر، لا يعرف التفرقة ولا العصبية.


تأسيس الدولة الإسلامية


لقد كانت رحلة الهجرة النبوية تحولًا جذريًا بكل المقاييس، فمن ظلمات التعذيب والاضطهاد في مكة؛ حيث كان المسلمون أقلية مستضعفة إلى التمكين وبناء الدولة في المدينة المنورة، لم تعد الهجرة مجرد انتقال جسدي، بل كانت تأسيسًا لمجتمع متكامل ودولة مترابطة الأركان، قادرة على الدفاع عن نفسها ونشر رسالة الإسلام.


الدروس المستفادة من الهجرة النبوية


تعلمنا من هذه الرحلة العظيمة دروسًا خالدة في الصبر على الشدائد، وأهمية التخطيط المحكم، والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى، وقوة الإيمان التي تدفع الإنسان لتحقيق المستحيل، وصدق الله العظيم الذي جعل رحلة الهجرة تتجسد أمام الأعين عن طريق وصف شعور طريق تلك اللحظة الفارقة {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٤٠].


الخاتمة


لم تكن الهجرة النبوية مجرد انتقال من مكة إلى المدينة، بل كانت تحولًا استراتيجيَّا في تاريخ الإسلام، فمثلت الخلاص للمسلمين المضطهدين، ورسخت قيم التضحية والصبر والتخطيط الحكيم، وأسست دولة قوية قائمة على المؤاخاة والمشاركة الجماعية، فأصبح الإسلام قادرًا على الانتشار بحرية أكبر، إنها درس خالد في كيفية تحويل المحن إلى منح، والتحديات إلى انتصارات؛ مما يجعلها مصدر إلهام للأمة الإسلامية عبر العصور.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

صاروخية بن رمضان فى بورتو بين أجمل أهداف مجموعات كأس العالم للأندية

إنفانتينو يوجه رسالة شكر للأهلى وجماهيره بعد مشاركته فى مونديال الأندية

شخص يلاحق زوجته بدعوى حبس بسبب تبديدها 365 ألف جنيه.. اعرف التفاصيل

مواجهات نارية مرتقبة فى الطريق إلى نهائى كأس العالم للأندية 2025

رينارد: مواجهة المكسيك ضد السعودية صعبة.. والتأهل للنهائى ليس هدفنا


إسماعيل يوسف تيجانا الزمالك يحتفل بعيد ميلاده الـ"61" اليوم

مصرع 3 من أسرة واحدة فى انقلاب سيارة من أعلى كوبرى قويسنا بالمنوفية

تنسيق الجامعات 2025.. القائمة الكاملة للجامعات التكنولوجية

ساندرا ديفا: أنا من فريق مينا مسعود بـ "في عز الضهر" وكنت بغني قبل التمثيل

حقيقة اقتراب المهدى سليمان من الانتقال للزمالك لتدعيم حراسة المرمى


مواعيد مباريات اليوم السبت 28-6-2025 والقنوات الناقلة

بعد تألقها فى مهرجان موازين.. نانسى عجرم تحيى حفلاً غنائيًا فى لندن

ترتيب هدافى كأس العالم للأندية قبل انطلاق دور الـ16

حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية

تقييد منح الجنسية الأمريكية بالولادة.. وترامب يشيد بقرار المحكمة العليا

التأمين الصحى الشامل: نجحنا فى توفير تغطية صحية لأكثر من 5 ملايين مواطن

حفل زفاف القرن.. زواج الملياردير الأمريكى جيف بيزوس والإعلامية لورين سانشيز تكلفته 46 مليون دولار ومصادر تؤكد 600 مليون دولار.. توفير طائرات خاصة للمدعوين أبرزهم ليوناردو دى كابريو.. وهذه تكلفة كعكة الزفاف

لبنان وإسرائيل.. جيش الاحتلال يصر على البقاء فى المواقع الـ5 جنوبا ويواصل القصف.. 20 غارة على النبطية.. موقف حزب الله غامض.. لبنان: نتمسك بسيادتنا وتجنب صراعات الإقليم.. مبعوث ترامب: حصر السلاح بيد الدولة ضرورة

تقرير مستشفى العباسية بقضية سفاح المعمورة.. قبل ساعات من النطق بالحكم

حبس عاطل 4 أيام بتهمة سرقة مبلغ مالى من مكان عمله السابق

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى