جمال عبد الناصر يكتب: حسن مصطفى.. ضحكة لا تُنسى وذكرى لن تغيب

تحل علينا في السادس والعشرين من يونيو ذكرى ميلاد الفنان الكبير حسن مصطفى، أحد أعمدة الكوميديا المصرية والعربية، وصاحب الأداء الصادق الذي جمع بين البساطة والعمق، وبين خفة الظل والانضباط المهني، وحالفني الحظ أن اقتربت منه خلال رحلة فنية لمملكة المغرب، حيث جمعتني به ذكريات كثيرة.
قليلون هم الفنانون الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة في كل وسائط التعبير الفني، مثل المسرح، والسينما، والتليفزيون، لكن حسن مصطفى كان من هؤلاء، فهو بعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية، يبدأ مسيرة امتدت لقرابة نصف قرن، عُرف خلالها بدوره الأشهر "رمضان السكري" في المسرحية الخالدة "العيال كبرت"، ذلك الأب المصري الطيب الذي يجمع في طيات شخصيته التناقضات الصغيرة التي نحبها في آبائنا: الحنان والتذمر، الطيبة والحزم، اليأس والتمسك بالأسرة، فرمضان السكري لن يموت.

في مهرجان الدار البيضاء قبل ندوته التكريمية
قدم الدور بخبرة مسرحية عميقة، وبتقنيات كوميدية راقية تعتمد على التوقيت والإيقاع والانفعال الصادق، دون أن يسقط في فخ المبالغة أو التهريج، وفي السينما، لمع في أدوار عدة، أبرزها شخصية "فانتوماس" التي قدمها في فيلم "مطاردة غرامية" مع الفنان الكبير فؤاد المهندس، حيث جسد الكوميديا الهزلية، أو ما يعرف بالـ(Parody)، وقدمها بذكاء، وسخر من صورة "الشرير" المبالغ فيه بطريقة جعلته محبوبًا لدى الجمهور، ومن الشخصيات التي برع الفنان حسن مصطفى في أدائها شخصية "دان رابينوفيتش" ضابط جيش الاحتلال الإسرائيلى فى مسلسل (رأفت الهجان)، وكذلك لا ننسى دوره في "مدرسة المشاغبين" بشخصية "الناظر "، ذلك المدير التقليدي الذي تتحول سلطته إلى مصدر للضحك حين يصطدم بفوضى الجيل الجديد، وهو الدور الذي أكده كواحد من أيقونات المسرح المصري الحديث.
ما يميز حسن مصطفى هو قدرته على تحويل الشخصيات الثانوية إلى شخصيات لا تُنسى، بما يمتلكه من قدرة على استخدام صوته ونبرة حديثه وتعابير وجهه وجسده توظيفًا دقيقًا في أداء الشخصية، ولم يكن يبحث عن البطولة المطلقة، بل عن الحضور الكامل.

اثناء تكريمه مع الفنانة داليا البحيري
على المستوى الشخصي، كما ذكرت في المقدمة، أتيحت لي فرصة نادرة لمرافقته في مهرجان الدار البيضاء السينمائي بالمغرب، ولم يكن مجرد نجم مصري هناك، بل كان سفيرًا للبهجة وذاكرة شعب بأكمله، وشاهدت بنفسي كيف كان الحضور المغربي يحييه بمحبة ودفء حقيقيين، وكيف كان كبار السن يرددون مقاطع من "العيال كبرت"، وكيف كانت الوجوه تبتسم لمجرد رؤيته، لقد كان تكريمه هناك تكريماً لتاريخ الكوميديا المصرية، ولجيل من الفنانين الذين زرعوا الابتسامة في الوجدان العربي.

الفنان حسن مصطفي والزميل جمال عبد الناصر
لم يكن حسن مصطفى نجمًا صاخبًا، لكنه كان فنانًا يفرض احترامه بأدائه الهادئ، النابع من فهم عميق للفن والحياة، وقد ظل حتى آخر أيامه متواضعًا، بسيطًا، وفيًا لمهنته، متجددًا في اختياراته، ولم يركن أبدًا إلى النجاح القديم، وفي ذكرى ميلاده، نستعيد ملامح رجل شكّل جزءًا من وعينا الجمعي، من خلال أدوار ستبقى محفورة في ذاكرة المسرح والسينما والتليفزيون، ونستعيد ضحكته التي لم تكن مجرد أداء، بل كانت طاقة نور تُشعل مشاعرنا حتى بعد الرحيل، لكن ملامحه ما زالت تُطل علينا كلما قررنا أن نبتسم رغم كل شيء، وأنا شخصيا هذا الفنان بالنسبة لي هو ذكري لا تٌنسي وضحكة لا تغيب.
Trending Plus