لماذا نتمسك بالدولة الوطنية المصرية؟

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، كنا جميعا شهودا على قمة المواجهة والصراع، الذى دار بين إيران وإسرائيل فى موجة جديدة من التقلبات فى الشرق الأوسط.
وبغض النظر عن النتائج والملابسات التى أدت إلى هذا الصراع من الأساس، إلا أننا لا ننكر أننا أمام صراع قائم بالفعل له خلفيات تاريخية، وهو على وشك الاشتعال والتجدد فى أى لحظة، لكن يبقى موقف مصر كدولة محورية فى هذا الأقليم المشتعل.
فى يقينى أن هذا الثبات الكبير، الذى اتسم به الموقف المصرى خلال الأزمة، يدل على أن هذه الدولة الوطنية، قد تمسكت بثوابتها الكبيرة والعميقة بعمقها الحضارى وبقدرتها على البقاء كبوابة لمنطقه الشرق الأوسط رغم كل هذه التحديات، فهى لم تنفعل بأى استفزازات أو ضغوط على مدى الشهور وربما السنوات الماضية، لكنها تمسكت بخطاب واضح وصريح فى أن جيشها الوطنى المصرى هو جيش رشيد، وبالتالى كل تحركاته هى تحركات رشيدة ومحسوبة ودقيقة ومتأنية.
فى عالم غير مستقر تمزقه النزاعات، وتعيد تشكيله التحالفات والصراعات على حدود الخرائط والأفكار، تبقى الدولة الوطنية هى الحصن الأخير والأقوى الذى يحمى شعبها من الانهيار والسقوط من الداخل، كما حدث لكثير من دول المنطقة للأسف العميق.
واليوم، ومع ما يشهده الإقليم من تصعيدات متسارعة، وعلى رأسها وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، يصبح الحديث عن أهمية الدولة الوطنية المصرية وضرورة توحّد المصريين خلفها أمرًا لا يحتمل التأجيل.
فى أعقاب ثورة 30 يونيو المجيدة واجهت مصر- ولا زالت - تهديدات حقيقية مركبة ومعقدة من الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة، فى الشرق حيث تطورات الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وتأثيراته المحتملة على الأمن القومى المصري، من الجنوب حيث أزمة سد النهضة التى لا تزال قائمة، ومحاولات بعض القوى زعزعة استقرار دول حوض النيل، من الغرب، حيث ترتع ميليشيات وتدخلات أجنبية على الأرض الليبية، ومن الشمال حيث ينعكس التوتر فى شرق المتوسط وملف الطاقة على المصالح الوطنية المصرية.
كل هذه التحديات تتطلب اصطفافًا وطنيًا داخليًا وراء دولتنا الوطنية، اصطفاف لا يسمح بثغرات يمكن أن تتسلل منها الفوضى بأى شكل من الأشكال.
الحقيقة التى لا تقبل الشك أن ثورة 30 يونيو 2013 لم تكن مجرد موجة غضب شعبى ضد جماعة فاشية دينية، استغلت الدين فى تحقيق انتهازيتها السياسية، بل كانت إعادة تأسيس للدولة الوطنية المصرية، بعدما كادت تسقط فى مستنقع الفاشية الدينية، والانقسام الداخلى نتيجة تصاعد التحريض والاستقطاب.
فى تلك اللحظة المهمة من عمر الوطن، أدرك المصريون أن الاستقطاب السياسى طريقٌ يؤدى إلى الفوضى، وأنه لا خيار أمامهم سوى التمسك بالوطن كقاسم مشترك وحيد فوق كل الانتماءات والتعددية.
هذه الصيغة أنقذت الوطن من الانهيار والسقوط، وأعادت تعريف الأولويات الوطن أولًا.. ثم الوطن دائمًا.
ما شهدته المنطقة من تصاعد سريع فى حدة الصراع، يؤكد أن المرحلة الحالية تتطلب أن يرتفع صوت العقل الوطني، ويعلو فوق كل خلاف. فمستقبل مصر لا يُبنى بالشعارات الجوفاء أو دعاوى التناحر، بل بالعمل الجماعى المبنى على احترام التنوع والتعدد، دون السماح بتحويل الاختلاف إلى خندق صراع يودى بحياة الجميع فى النهاية.
مطلوب منا جميعا أن نضع مصلحة الوطن فوق أى خلاف، وأن نحمى الهوية المصرية الجامعة من محاولات التشويه أو التشكيك أو التجزئة.
منذ 30 يونيو وحتى اليوم، لم تتوقف المنصات الإعلامية المعادية لمصر عن استهداف الدولة الوطنية، هذه الأبواق الممولة من الخارج، بأموال مشبوهة، لا همّ لها سوى التشكيك، والتشويه، وتضليل المواطن المصرى.
لكن الحقيقة الواضحة أن الهدف ليس "النقد" كما تدّعى، بل تفكيك الدولة وإسقاطها من الداخل، عبر زرع الفتنة، والترويج لثقافة التحريض، وبث الكراهية، والتشكيك فى كل إنجاز أو قرار.
إن إسقاط الدول لا يبدأ من الخارج بل من الداخل، حين يتم تضخيم الخلافات، وتكريس الانقسام، وتحويل "الرأى الآخر" إلى عداوة مدمّرة.
مصر تمر بمرحلة مصيرية، وأمتنا تواجه تحديات غير مسبوقة. وفى هذه اللحظات الفارقة، لا نملك رفاهية التشتت أو العبث بثوابتنا الوطنية.
الدولة الوطنية المصرية ليست فقط كيانًا سياسيًا، بل هى هوية وتاريخ، وملاذ آمن من العواصف التى تضرب المنطقة من كل اتجاه.
تمسكنا بالدولة الوطنية المصرية، ووحدتنا خلفها، هو وحده الضمان الحقيقى للمستقبل.
Sherifaref2020@gmail.com
Trending Plus