لماذا نحتاج إلى الثقافة؟ (5).. خريطة مصر الثقافية الشاملة: كنز ينتظر الاكتشاف

نتحدث كثيرا عن التنمية الاقتصادية والاستثمار في المشروعات الكبرى، وهذا ضروري ولا شك، كما نتحدث عن الاستثمار الاقتصادي في الثقافة، وتقف حدود الحديث دائما عند رسم أحلام لا نعرف بالضبط حدودها، ذلك لأننا لا نعرف بالضبط ما نمتلكه من عناصر تراثية أو ثقافية أو إبداعية، وبالطبع كانت هناك مجموعة من المشروعات التى هدفت إلى جمع هذه المعلومات مثل أطلس المأثورات الشعبية بقصور الثقافة وبعض المشروعات التى تبنتها الجمعية المصرية للتراث فى حياة رئيسها د أحمد مرسي، لكن هذه المشروعات على محدودية اختصاصها قد توقفت.
ومن هنا تبدو الحاجة الملحة إلى المعرفة الكاملة والدقيقة بكل ما لدينا من عناصر ثقافية يمكن استثمارها، وهو الأمر الذي يجعل التفكير في مشروع طالما ألح عليّ وتحدثت عنها، وهو "خريطة مصر الثقافية الشاملة".
تخيلوا معي خريطة تفصيلية دقيقة تحتوي على كل العناصر الثقافية الموجودة في مصر، من هم الحرفيون المهرة في صناعة النحاس في صعيد مصر؟ أين تقع الورش المتخصصة في صناعة السجاد اليدوي في الفيوم ومن هو صناعها؟ ما هي أنواع الفنون الشعبية التي تزدهر في مدن القناة وأسماء المهتمين بها؟ من هم الفنانون التشكيليون الشباب الذين يقدمون أعمالا مبتكرة في محافظات الدلتا؟ ما هي المواقع التراثية غير المشهورة التي تحمل في طياتها كنوزا من التاريخ والحكايات؟
إن جمع هذه المعلومات في خريطة واحدة، رقمية وتفاعلية، يمثل خطوة أولى وحاسمة نحو فهم ثراء مصر الثقافي وتنوعه، هذه الخريطة لن تكون مجرد دليل للمهتمين بالتراث والفنون، بل ستكون أداة استراتيجية بيد المؤسسات الثقافية الحكومية تسهم بشكل جذري في صناعة القرار.
إن هذه الخريطة يمكنها أن تفتح آفاقا هائلة لتنمية الإبداع في مصر، فعندما نمتلك قاعدة بيانات شاملة عن الحرفيين المهرة، يمكننا تصميم برامج تدريبية متخصصة لنقل خبراتهم إلى جيل جديد من الشباب، وبناء خطط دعمهم والترويج لهم ورفع كفاءتهم للمنافسة عالميا، وعندما نعرف أماكن تواجد الفنانين والمبدعين في مختلف المجالات، نستطيع تقديم الدعم اللازم لهم وتوجيههم نحو فرص جديدة للنمو والتطور.
إن هذا المشروع القومي يجب أن يكون على رأس أولويات المؤسسات الثقافية، تخيلوا ورش عمل فنية وحرفية تقام في جميع أنحاء مصر، تستفيد من المعلومات الموجودة في هذه الخريطة الثقافية لتحديد المواهب وربطها بالخبراء والمدربين، بما يسهم في تطوير المبادرات لدعم وتسويق المنتجات التراثية والفنية، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضا على المستوى العالمي، بالاستفادة من هذه المعلومات في الترويج والتسويق.
الأمر لا يتوقف عند التنمية الثقافية بمعناها الضيق، بل يمتد ليشمل التنمية الاقتصادية، فالسياحة الثقافية يمكنها أن تكون رافدا مهما للاقتصاد المصري، إذا استطعنا تقديم منتج ثقافي متنوع وجذاب يعكس ثراء وتنوع تراثنا وفنوننا.
ستكون هذه الخريطة الثقافية بمثابة الكنز الذي يمكننا استغلاله لجذب السياح المهتمين بالثقافة والتراث، وبالتالي توفير فرص عمل جديدة وزيادة الدخل القومي، فهي ليست مجرد مشروع توثيقي، بل هي مشروع تنموي استثماري يهدف إلى إحياء الإبداع في مصر وتوجيهه نحو مستقبل أكثر ازدهارا، مع الحفاظ على هويتنا الثقافية العريقة، إنها دعوة للبدء في رسم هذا المخطط الطموح، الذي أؤمن بأنه سيغير وجه الثقافة والإبداع في مصر.
Trending Plus