رضا الناس سراب

رضا الناس غاية لا تُدرك، مقولة عتيقة لكنها لا تشيخ، لأنها تلخّص مأساة من يحاول أن يكون مرآة للجميع، فلا يرضي أحدًا، ويخسر نفسه في الطريق.
منذ بدء الخليقة والبشر لم يتفقوا على شيء إلا على الاختلاف، يراك هذا عاقلًا لأنك سكت، ويحسبك ذاك جبانًا لنفس السبب، تمد يدك بالعطاء فيتهمك أحدهم بالمنّ، وإن أمسكتها اتُّهمت بالبخل، تبتسم فيراها بعضهم خفة، وتتجهم فيراها آخرون غلظة، فهل يُعقل أن تمضي عُمرك أسيرًا لعيون لا تشبهك؟
الناس لا يُرضيها شيء، لا لأنها شريرة، بل لأنها مختلفة، كلٌّ يرى الدنيا من نافذته، ويحكم عليها من زاوية مزاجه وتجربته ونقصه أيضًا، فكيف تطلب من عيونٍ شتى أن ترى المشهد نفسه بنفس الإعجاب أو بنفس النقد؟
رضا الناس يشبه خريطة بلا ملامح، كلما ظننت أنك اقتربت من الهدف، اكتشفت أنه تغيّر، هو كالسراب، يُغريك بالركض نحوه، حتى إذا وصلت، وجدت نفسك منهكًا بلا فائدة.
في المهن، كما في الحياة، تُحاصرك الآراء من كل اتجاه، الصحفي الذي يكتب الحقيقة يُتّهم بالتحريض، والذي يُزين الكلام يُرمى بالتطبيل، الفنان الذي يُجدد يُقال عنه إنه تائه، والذي يثبت على أسلوبه يُتهم بالتكرار، السياسي الصادق يُقال عنه ساذج، والمراوغ يُقال إنه داهية، فهل يُعقل أن ترضي جمهورًا لا يتفق حتى على لون السماء؟
الحل ليس في كسب رضا الناس، بل في احترام نفسك وأصلك وقناعاتك، أن تقول ما تؤمن به، لا ما يطلبه الآخرون سماعه، أن تتحرّى الصواب لا الإعجاب، أن تفعل ما تراه خيرًا حتى لو صفق لك القليل وانتقدك الكثير.
وقد قيل: لو حاولت إرضاء الجميع فلن ترضي أحدًا، وستعود في نهاية المشهد متعبًا، مُثقلًا بتفاصيل لا تُشبهك، وعابرًا لحياة لم تكن لك.
حتى القمر، وهو رمز الجمال والرقة، لم يسلم من كلام الناس، منهم من قال إنه منير، ومنهم من قال إنه موحش، ومنهم من لم ينظر إليه أصلًا.
فلتكن أنت كما أنت، لا كما يُريده الآخرون، صحح خطأك إن أخطأت، لا لأن الناس غضبوا، بل لأن ضميرك استيقظ، وامضِ في طريقك ولو مشيت وحدك، لأن الذين يسيرون في الطرق المزدحمة، لا يكتبون تاريخًا بل يتبعون السير.
لا تلتفت كثيرًا لما يُقال، فالناس تُبدّل رأيها أسرع مما تُبدّل هواتفها، ورضاهم غاية لا تُدرك، فلا تجعلها بوصلتك.
Trending Plus