أحلام على الأسفلت.. حين ماتت الطبيبة والمعلمة والمجتهدة في حادث واحد.. أخر كلمات ضحايا حادث الإقليمى عن أحلامهن للمستقبل.. الموت غيبهن قبل ساعات من ظهور نتيجة الإعدادية.. وهذه اعترافات السائق المتهور

ما زال الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية يحتفظ ببقع دم لم تجف بعد، ورائحة مأساة لم تفارق ذاكرة من شهدوا المشهد أو سمعوا تفاصيله.
19 فتاة في عمر الزهور، خرجن صباحًا إلى عملهن في أحد المصانع، بحثًا عن لقمة عيش تحفظ كرامتهن وتعين أسرهن، لكنهن لم يعدن، عاد فقط صراخ الأمهات، وصدمة الآباء، والتوابيت البيضاء التي زُفّت إلى القبور بدلًا من صالات الأفراح.
في تطور سريع للحادث المأساوي، قررت جهات التحقيق حبس سائق السيارة النقل المتسبب في الكارثة أربعة أيام على ذمة التحقيقات.
وخلال التحقيقات، قال السائق إن عجلة القيادة اختلت من يده بسبب السرعة الزائدة، ما أدى إلى اقتحامه الحواجز واصطدامه بسيارة ميكروباص تقل الفتيات، وجهاً لوجه في الطريق المعاكس.
وأضاف في اعترافاته: "ما شُفتش حاجة بعدها غيرهم وهم تحت العجلات".
وأمرت النيابة العامة بمركز أشمون بإجراء تحليل مخدرات للسائق، وسط غضب عارم في الشارع المنوفي، وحالة من الحداد التي خيمت على قرى بأكملها فقدت بناتها في لحظة لا تُنسى.
لكن الحادث لم يكن مجرد أرقام في دفتر المرور، بل مأساة إنسانية مكتملة الأركان، ضحاياها فتيات صغيرات، كانت أحلامهن أكبر من أعمارهن.
لم يفرحن حتى بنتائجهن في الشهادة الإعدادية، فالحياة لم تمهل بعضهن إلا أيامًا معدودة بعد إعلان النتيجة.
من بين الضحايا، كانت هناك أربع طالبات متفوقات: تقى محمد السيد الجوهري التي حصلت على مجموع 221 درجة، وضحى همام الحفناوي بـ202 درجة، وجنى يحيى فوزي خليل بـ250 درجة، وإسراء الحفناوي التي حصلت على 269 درجة.
كل واحدة منهن كانت تحمل في قلبها مشروع حياة، وأملاً يرسم طريقًا مختلفًا، واحدة أرادت أن تصبح طبيبة تعالج البسطاء، وأخرى كانت تحلم بأن تصبح معلمة تزرع العلم في عقول أبناء قريتها، لكن الأحلام تكسرت على طريق بلا إنارة كافية، وقيادة متهورة.
في قريتهن، لم يكن هناك بيت واحد لم تخرج منه صرخة، أو لم يُرفع فيه أذان الجنازة.
يقول أقارب إسراء : "كانت تصحى الفجر، تصلي، وتروح شغلها عشان تساعدهم، كانت تحلم بمجموع حلو، كانت بتحلم تبقى دكتورة"، وعلى مقربة، يقف أقارب جنى، كانت تحلم أن تكبر وتساعد الجميع.
ظروف الحياة أجبرتهن على العمل مبكرًا، ليساعدن أسرهن التي تعاني من شظف العيش، كثيرات منهن كن يقطعن عشرات الكيلومترات يوميًا من أجل أجور لا تتجاوز 130جنيه، ومع ذلك، كن يضحكن، ويخططن للمستقبل، ويقُلن إن التعب اليوم هو طريق إلى الغد الأفضل، لكن الغد لم يأتِ.
المشهد في موقع الحادث مؤلم، حذاء صغير مكسور، حقيبة ممزقة، بقايا فطور على المقعد الخلفي، كأن الزمن توقف لحظة الاصطدام، وكأن الطريق الإقليمي أراد أن يبتلع كل شيء، لم يبقَ من الحكاية سوى الصور، والدموع، والحزن المتبادل في قلوب المصريين.
إنها ليست مجرد حادثة، بل حسرة بحق الطفولة، وبحق الوطن الذي خسر 19 حلمًا، كانوا قادرين على تغييره للأفضل.
Trending Plus