الصراعات المنسية فى أفريقيا.. تقرير دولى يحذر من تصعيد الصراعات بشكل أكبر جنوب الصحراء الكبرى.. زيادة الإنفاق العسكرى وتراجع فى بناء السلام خاصة فى منطقة الساحل.. والكونغو الديمقراطية رابع أقل دول العالم سلامًا

كشف تقرير دولى جديد، أن قارة افريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، أصبحت المنطقة الأكثر تقلبا في العالم من حيث الصراعات المسلحة، وفقا لمؤشر السلام العالمي 2025.
ومن بين 44 دولة أفريقية قام معهد الاقتصاد والسلام بتقييمها، شهد أكثر من نصفها تدهوراً في الأوضاع الأمنية، وعسكرة البلد، بسبب تضخم ميزانيات الدفاع، وتكثيف التشابكات عبر الحدود، والانحدار الحاد في الاستثمار في بناء السلام.
في حين يظل التركيز الدولي منصبا على الحرب بين روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط ، يحذر معهد السياسة العالمية من أن الصراعات في أفريقيا أصبحت أكثر رسوخا وأكثر تجاهلا.
وتعد الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وإثيوبيا وبوركينا فاسو من بين الصراعات الخمس الأكثر احتمالا للتصعيد على مستوى العالم في العام المقبل، وفقا للتقرير.
ومن جهته قال توماس مورجان، كبير مسئولي الأبحاث في معهد الاقتصاد والسلام: "إن إثيوبيا وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان لديها ما يقرب من جميع عوامل الخطر التسعة لتصعيد الصراع".
ارتفاع الإنفاق العسكري
في تراجع حاد عن الاتجاهات السابقة، يشهد الإنفاق العسكري في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ارتفاعًا ملحوظًا، فقد زادت أكثر من 23 دولة إنفاقها العسكري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك نيجيريا وغانا وتنزانيا وبوركينا فاسو، وهو ما يُبرَّر غالبًا بأنه " دفاع عن السيادة " في ظل تصاعد حركات التمرد وعدم الاستقرار السياسي.
كان التدهور أوضح ما يكون في بوركينا فاسو ومالي، حيث انسحبت المجالس الحاكمة من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وعززت شراكاتها مع روسيا وتحالف دول الساحل المُشكّل حديثًا، تواجه هذه الدول الآن مزاعم متزايدة بانتهاكات حقوق الإنسان، غير مسئول، وتزايد فى معدلات العنف، وتدهور فى الأوضاع الأمنية.
واتهمت جماعات حقوق الإنسان هذه الحكومات باستغلال الضرورات الأمنية لتعزيز السلطة وقمع المجتمع المدني وارتكاب انتهاكات تحت ستار مكافحة التمرد.
مزيد من القوات في الخارج وسلام أقل في الداخل
تتجاوز طموحات أفريقيا العسكرية حدودها الوطنية، ويسلط مؤشر السلام العالمي الضوء على العدد المتزايد من الدول الأفريقية التي تنشر قوات عسكرية خارج حدودها، وتخوض كل من رواندا ونيجيريا وغانا وتنزانيا خمسة صراعات خارجية أو أكثر، تتراوح بين عمليات نشر تابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وبعثات مساعدة عسكرية ثنائية.
لقد أصبح الخط الفاصل بين حفظ السلام واستعراض القوة غير واضح بشكل متزايد في المشهد الأمني في أفريقيا
نشرت رواندا آلاف الجنود في موزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى وبنين، مُصوِّرةً نفسها كقوة إقليمية لحفظ السلام. لكن المنتقدين يرون أن هذا لا يتعلق بالتضامن بقدر ما يتعلق بالاستراتيجية.
يقول الباحث الجيوسياسي لاسيسي أبارا: "يزداد الغموض بين حفظ السلام وبسط النفوذ في المشهد الأمني الأفريقي، وخطر أن يصبح السلام ثانويًا أمام النفوذ قائم".
تجاوزت جمهورية الكونغو الديمقراطية أفغانستان لتصبح رابع أقل دول العالم سلامًا، مع تصاعد العنف في المقاطعات الشرقية، ويشير مؤشر السلام العالمي إلى استمرار عدم الاستقرار الناجم عن تمرد حركة 23 مارس المتمردة، والتدخل الأجنبي المعقد، بما في ذلك مزاعم الدعم الرواندي - وفشل جهود السلام الإقليمية.
في هذه الأثناء، يعيش السودان فى دوامة العنف المميتة التي أعقبت اندلاع الحرب عام 2023 بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. ويقدر معهد السلام العالمي (GPI) أن عدد الوفيات المرتبطة بالصراع سيتجاوز 6800 حالة في عام 2024 وحده.
وتابع مورجان: "ضعف قدرة الدولة ليس مجرد نقطة ضعف، بل هو عامل مُسرّع للتطورات، في أماكن مثل منطقة الحدود الثلاثية أو دارفور، حتى النزاعات الصغيرة قد تتفاقم بسبب غياب المؤسسات الفاعلة".
لقد أدت الحرب في السودان إلى تعطيل وصول المساعدات الإنسانية، وانتشار الأسلحة عبر الحدود إلى تشاد وجنوب السودان وإريتريا، ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص.
بناء السلام يحتاج موارد
وعلى الرغم من الارتفاع الحاد في العسكرة ، فإن بناء السلام وحفظ السلام العالميين لم يمثلا سوى 0.52% من الإنفاق العسكري في عام 2024، وهو انخفاض مذهل بنسبة 26% منذ عام 2008، وقد أثر هذا بشكل غير متناسب على أفريقيا، التي كانت تاريخيا أكبر متلق لمبادرات السلام المدعومة من المانحين.
وحذر مؤشر السلام العالمي من أن التخفيضات في المساعدات الإنمائية الرسمية، بما في ذلك برامج تشغيل الشباب، ومشاريع المصالحة، وجهود الوساطة المحلية، تؤدي إلى تسريع الهشاشة.
تواجه أفريقيا محركات مختلفة للسلام والصراع تحت ضغط متزايد، مع ضعف المؤسسات وزيادة التدخل الأجنبي
أضف إلى ذلك أزمة الديون السيادية في أفريقيا ، حيث تخصص الحكومات الآن ما يصل إلى 42% من إيراداتها لخدمة الديون، مما يترك موارد قليلة للحوكمة التي تركز على السلام أو المرونة الاقتصادية.
وأكد مؤشر السلام العالمي لعام 2025 إلى أن السلام العالمي قد تدهور في 13 عامًا من الأعوام السبعة عشر الماضية، مع تزايد نصيب أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من هذا التراجع.
ودعا مؤشر السلام العالمي إلى إعادة الاستثمار بشكل عاجل فيما يُطلق عليه "السلام الإيجابي"، وهو إطار عمل قائم على ثمانية ركائز أساسية، تشمل الحوكمة الرشيدة، وخفض الفساد، والوصول إلى المعلومات، وتنمية رأس المال البشري.
وقال مورجان: "ما بدأ كنزاعات قبلية أو عرقية في منطقة الساحل، أُعيدت صياغته بمصطلحات جهادية، وهذا التحوّل في التسمية يجذب تمويلًا وقوة عسكرية خارجية، مما يزيد من احتمالية التصعيد طويل الأمد".
ورغم وجود بعض النقاط المضيئة، مثل التحسن في الوصول إلى خدمات الاتصالات والتحولات السياسية في بلدان مثل جامبيا، فإن الصورة الأوسع هي صورة للتراجع.
ويرى مورجان أن أفريقيا لا تواجه عوامل مختلفة للسلام والصراع؛ بل تواجهها فقط تحت ضغوط أكبر، ومؤسسات أضعف، وتدخل أجنبي أكبر.
Trending Plus