سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 28 يونيو 1957.. طه حسين يبدأ زيارة إلى تونس ويتمنى لوكان شاعرها أبو القاسم الشابى مازال حيا وزعيمها الحبيب بورقيبة يستقبله عند باب «الجامعة الزيتونية» وآلاف الطلبة فى انتظاره

وجهت الحكومة التونسية الدعوة إلى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين لزيارتها للإشراف على لجنة امتحانات آخر العام لشعبة اللغة العربية والآداب فى دار المعلمين العليا، حسبما يذكر الدكتور محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973، وزوج ابنة طه حسين فى كتابه «ما بعد الأيام».
بدأت الزيارة يوم 28 يونيو، مثل هذا اليوم، 1957، وكانت عقب مرور سنة وثلاثة أشهر على استقلال تونس، حسبما يذكر الكاتب التونسى «حسونة المصباحي» فى عرضه لكتاب «طه حسين والمغرب العربي»، تأليف «أبو القاسم محمد كرو» بجريدة الشرق الأوسط، لندن، 28 مايو 2002»، ويوضح: «كان النظام الملكى لا يزال قائما حين كان «الحبيب بورقيبة» زعيم الحركة الوطنية يترأس أول حكومة انشئت بعد انهيار معاهدة الاحتلال التى أمضيت يوم 12 مايو 1881، وبمقتضاها أصبحت تونس تابعة للإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية».
يؤكد «الزيات» أن «بورقيبة» احتفل بطه حسين احتفالا كبيرا، وكشف بورقيبة عن أن «حسين» أحسن استقباله عندما فر لاجئا إلى مصر، وقدم إليه وإلى كل حركة الاستقلال التونسية كل معونة ممكنة، ومكنه من استعمال إذاعة مصر والتحدث فيها، فى وقت لم يعتنى به بعض رجال الإذاعة وهو لاجئ.
استمرت الزيارة إلى يوم 4 يوليو 1957، ويذكر «المصباحى»، أن أول نشاط لطه حسين كان حضوره الحفل السنوى لاختتام السنة الدراسية بالجامعة الزيتونية داخل رحاب الجامع الأعظم، واستقبله عند الباب الحبيب بورقيبة، ووزير المعارف الأمين الشابى وعميد الزيتونية الشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور وابنه الشيخ بن عاشور، وعشرات الشيوخ والأساتذة وآلاف الطلبة، وبعد ترحيب الشيخ محمد الطاهر بن عاشور به ألقى طه حسين كلمة قال فيها: «انى لأسعد الناس بما أتاحه لى السيد رئيس الحكومة التونسية الصديق العزيز الحبيب بورقيبة حين تفضل فدعانى لزيارة تونس، وأشهد لقد أهدى إليِ بذلك فضلا لا ينسى، وما أكثر ما دعيت إلى زيارة تونس فأبيت، كرهت أن أزورها وهى خاضعة لغير أهلها، فأما الآن وتونس قد حررت بفضل هذا الجهاد الرائع الذى جاهده أبناؤها وعلى رأسهم رئيس حكومتها، أما الآن وقد أصبحت تونس تملك أمرها كله وتشارك فى الحياة الدولية عزيزة كريمة، فقد أصبحت زيارتها حقا عليّ، وأصبحت واجبا أيضا».
يذكر «المصباحى» أن العميد حضر جلسة حوار شيق ومطول بينه وبين الأديب محمود المسعدى والشاذلى القليبى وعلى البلهوان وهو من رموز الحركة الوطنية، وتركز على واقع الشعر العربى والقصة والرواية فى العالم العربى، قال طه حسين: «ان الشعر العربى فى هذه الأيام يجتاز أزمة حرجة بعض الشيء، فهو متردد بين الطريقة التقليدية القديمة التى أحياها شعراؤنا القدماء فى القرن الماضى وفى أوائل هذا القرن، وبين محاولات للتجديد يقلد بها بعض مذاهب الأوروبيين فى الشعر، فبعض شعرائنا فى مصر مثلا لايزال ينسج على منوال أحمد شوقي، وبعضهم يذهب مذهب حافظ إبراهيم أو مذهب البارودى، وكل هؤلاء الشعراء المصريين الكبار كانوا مدرسة واحدة هى مدرسة إحياء الأدب أو الشعر العباسى القديم، فهى كانت مدرسة تقلد أكثر مما تجدد، وتحيى أكثر مما تنشئ، وكثير من شعرائنا فى مصر، ومن شعراء الشام والعراق يذهبون هذا المذهب، والثقة عظيمة فى أن يتغلب الجيل المعاصر على كل هذه المصاعب، ويبتكر أو يتاح له ابتكار مذهب جديد فى الشعر لا ينأى عن أصول اللغة العربية، ولكنه فى الوقت نفسه يلائم الحياة الجديدة التى يحياها العرب فى هذا العصر».
عبر طه حسين عن إعجابه بالشاعر التونسى أبى القاسم الشابى، قائلا: «ربما كانت المصيبة فادحة جدا بوفاة أبى القاسم الشابي، وكنا محتاجين لأن نراه يعيش وتتصل حياته لنرى الى أى تطور يتطور فنه الذى نشأ، وأن يتطور إلى إيجاد فن جديد فى الشعر يستقر ويتجاوز صاحبه إلى غيره، بحيث يصبح صاحب مذهب فى الشعر، كما كان بعض الشعراء العرب القدماء أو كما نجد بعض الشعراء الغربيين».
وأبدى عميد الأدب العربى إعجابه بكتاب «السد» للأديب التونسى محمد المسعدى، كما أبدى ملاحظات قيمة بخصوص الأدب القصصى والروائى فى العالم العربي، وقال متحدثا عن نجيب محفوظ: «عندنا كاتب مثل نجيب محفوظ كتب قصصا صور فيها الأحياء القديمة فى مدينة القاهرة وقد صور بها الحياة فى بعض الأسر المتوسطة البورجوازية، وأنا أؤكد أن هذه القصص لو ترجمت إلى الفرنسية أو الإنجليزية لقرأها الفرنسيون مثلا كما يقرأون قصص الكتاب الإيطاليين أو الكتاب الإنجليز أو الأميركيين.. هذا يأتى من أن نجيب محفوظ أخذ بحظه من العلم ومن الثقافة وتخرج من الجامعة من الفلسفة واتصل بالثقافة الغربية، ولم يقطع صلته بها وهو يعلم ما يكتب فى البلاد الأوروبية، وهو من أجل هذا ينتج القصص الممتاز».
Trending Plus