لحظة إيثار النفس

دائمًا ما تدعونا الفضيلة أن نُفكر في الاخرين، بل وفي أحيان كثيرة نُؤثر الغير على أنفسنا، فهذه هي الأخلاقيات القويمة، والمبادئ السامية، والمُثل العليا، ومَنْ يفعل ذلك فهو بلا شك نموذج للإنسان المثالي الذي لا بد أن يقتدي به الجميع، ويحُتذى به في كل العصور.
ولكن في لحظة معينة لابد أن نُخالف هذه القواعد، ولا نُفكر إلا في أنفسنا فقط، وأود تذكرة حضراتكم بأنني بدأت عبارتي بثلاث كلمات وهي: "في لحظة معينة"، أي أن هذا السلوك استثنائي، ولكن لابد منه، لأنه إذا لم يحدث ذلك، ربنا يترتب عليه ضياع الإنسان. وهذه اللحظة تكون عادة لحظة فاصلة في حياة كل إنسان، حيث يجبر حينها على الاختيار، ولابد أن يختار نفسه، ربما لأن مستقبله كله يكون مُتوقفًا على تلك اللحظة، مثل مَنْ يبني مستقبله، ويضع نفسه على بداية خارطة الطريق، ويكون عليه أن يختار ما بين رفاهية الحياة، وبين أن يُنحي كل شيء جانبًا، ويرسم لنفسه طريقًا مُحددًا، يُركز فيه على أحلامه وطموحاته، ولا يُفكر في أي شيء آخر قد يُؤخره أو يُعرقله عن استكمال مسيرته.
وهناك لحظات أخرى لابد أن يُؤْثر فيها الإنسان نفسه على أي شيء آخر، مثل لحظة الانتقام التي قد تُسيطر على البعض، فتتسبب في انهيار حياتهم للأبد، فلابد للشخص الذي وضع في هذا الموقف أن يُفكر في نفسه ومستقبله، ويُنحي فكرة الانتقام تمامًا من حياته. وكذلك مَنْ يختار كرامته في لحظة فاصلة بينها وبين مصلحته، فيُؤْثرها على أي شيء آخر، لأنه يجد فيها ذاته ونفسه وكيانه.
وهكذا، فإن إيثار النفس في بعض الأحيان يكون مطلوبًا لحماية صاحبها ولبناء مستقبله، وللحفاظ على كرامته وكيانه، فلا يمكن لأي شخص أن يصف مُنْ يفعل ذلك بأنه شخص أناني أو ذاتي، طالما أنه لا يفعل ذلك على حساب الآخرين، أو مقابل الإضرار بهم والنيل منهم.
وعلينا أن نتذكر دائمًا أن أنفسنا ليست ملكنا، ولكنها ملك للمولى عز وجل، وأنها أمانة في أعناقنا لابد أن نُحافظ عليها، ونمنحها قدرها، حتى يأتي اليوم الذي نُسلم فيه الوديعة.
وأخيرًا، إذا أتتك اللحظة التي لابد أن تُؤْثر فيها نفسك حتى تحميها من الضياع أو الهلاك، لابد أن تختارها، لأنه ربما تكون تلك اللحظة هي التي ستُحدد مسار حياتك إلى الأبد، وأنه لولا إيثارك لها ما كنت وصلت إلى ما كانت تصبو إليه نفسك.
ولكن علينا أن نتذكر دائمًا أن هذا الإيثار لابد أن يكون بصفة استثنائية في حياتنا، ولا يتحول إلى قاعدة أساسية نسير عليها في دروبنا، حتى لا تُصبح هذه اللحظة هى كل لحظاتنا، وتموت مشاعرنا تجاه غيرنا، دون أن ندري، فإيثار النفس لا يجوز أن يكون لأكثر من لحظة واحدة، لذا نجد مَنْ يقول عبارة "في هذه اللحظة، لابد أن تُفكر في نفسك فقط".
Trending Plus