محمود سعد وصلاح دياب

عودة الإعلامى محمود سعد لتقديم برنامج باب الخلق على قناة النهار مرة أخرى وبعد غياب عدة سنوات، من المؤكد أنها مكسب كبير أسعد الكثير من المتابعين - وأنا منهم - خاصة أن حلقات هذا البرنامج ركزت بشكل كبير على الإنسان فقيرا كان أو غنيا، صغيرا أو كبيرا، عالما ومفكرا أو بسيطاً، كما ذهب بنا لمعالم وأماكن كثيرة قرى ومدن وأحياء فى مصر وخارجها، مع ما يتمتع به مقدمه من قبول وبساطة وذكاء.

عاد البرنامج وقدم فى أولى حلقتيه لقاءين شيقين مع المهندس صلاح دياب رجل الأعمال الكبير، انطلق فيه من مذكراته التى نشرت مؤخراً منذ عدة أشهر تحت عنوان (هذا أنا) عن الدار المصرية اللبنانية، استوقفنى فى حوار المهندس دياب لغته وعباراته الدقيقة وتوقفه للبحث عن الكلمات المناسبة لمقاصده، واستخدامه للغة افتقدناها كثيراً فى أيامنا هذه بعد ما شهده مجتمعنا من تدهور تخلى فيه البعض عن لغته العربية، والبعض يستعين بكلمات فرضتها شريحة من الشباب كنتاج لاستخفاف وتعالى على لهجتنا المصرية ولغتنا العربية.

لكنه استعرض رحلة صعوده من مهندس صغير إلى أن أصبح واحداً من أهم رجال الأعمال الوطنيين فى مصر، ثم اعترافه ببساطه أنه لا يعرف دقائق وتفاصيل معظم الأنشطة التى استثمر فيها، لكنه كان يجلب أفضل العناصر فى كل نشاط ويترك للمتخصصين وذوى الخبرات تفاصيل العمل وسياساته، ثم يشير بوضوح أن هذا النشاط لم يكن هو صاحب فكرته أو ذاك النشاط فهو يمول والخبراء يديرون.

الأمر الثانى، هو فلسفة الرجل فى مرحلته العمرية الناضجة التى وصل فيها إلى قدر هائل من القدرة على عدم التوقف عند كل ما قد يسبب له حزن أو ضيق، حتى وإن كان خيانة الأصدقاء، بل هو قرر الاستمرار فى صداقة من آذاه، وهذه فى الحقيقة قدرة جبارة لا يتمكن منها الكثيرون، لا يضاهيها سوى قدرته على استخراج الإيجابيات من الأزمات والمواقف الصعبة.

أما الأمر الثالث فهو حديثه عن السيدة عنايات الطويل رفقية كفاحه، حتى أنه قال لا أعرف كيف تحملت نزواتى وهفواتى مدة 51 عاما هى سنوات زواجهما، والحقيقة أن أى زوج يقدر جهد وصبر زوجته ثم يعلنه أمام الناس بكل عفوية هو أمر مثير للاحترام والتقدير، واعترافه بأنه ارتكب هفوات وانزلق إلى نزوات هو صدق كبير مع النفس.

لم تفت محمود سعد فرصة طرح أسئلة كثيرة ثارت حول هذا الرجل وعلاقته بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أبدى بسببه حزنا كبيرا، قائلا بل كنت أنافسهم ولم أتعامل معهم يوما، والأمريكان عرضوا التعاون مرات كثيرة رفضتها جميعا، حتى فى زيارة مادلين أولبريت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة لجريدة (المصرى اليوم) التى أسسها، قال إنه حرص أن يحضر اللقاء كل الكتاب حتى لا يقال إنها منحته شيئا!

صورة رجل الأعمال المصرى الذى صعد بفكره وخياله معتمداً على طموحه فقط، وشق طريقه إلى مجالات كثيرة ناجحة بدءا من تجارة لب البطيخ والعسل حتى وصل إلى الصفوف الأولى من الرأسمالية المصرية، هى صورة إيجابية أتمنى أن يتكرر تقديمها، بدلا من البرامج الأخرى التى تعتمد على الفضائح والشتائم المتبادلة بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء أو حتى الزملاء، والتى تشوه المجتمع المصرى الذى مايزال يقبض على جمر الأصول والتقاليد المصرية، فشبابنا يحتاج للإلحاح عليه بصور مضيئة مكافحة شقت الطريق بصعوبة لكنها فى النهاية نجحت فى الوصول.

تحية للإعلامى الكبير محمود سعد ولعودته إلى جمهوره بعد غياب، وتحية للمهندس صلاح دياب وأمثاله من الرأسماليين الوطنيين الذين يحققون نجاحا شخصيا وعينهم على بلدهم ومصلحتها.