أسطورة الملاكمة فى القرن العشرين.. اليوم ذكرى رحيل محمد على كلاى

خرج من لويزفيل كنتاكى شاب أمريكى أسود يُدعى كاسيوس مارسيلوس كلاى جونيور ليصبح رمزًا عالميًا للبطولة والكرامة، وليُعرف لاحقًا باسم محمد على كلاى، أحد أعظم الرياضيين فى تاريخ البشرية.
ولد محمد علي في 17 يناير 1942، وبدأت رحلته حينما سُرقت دراجته، فقرر أن يتعلم كيف يقاتل، لا ليستعيد دراجته، بل ليمنع الظلم من الاقتراب منه مجددًا، دخل عالم الملاكمة كهواية، وسرعان ما برز نجمُه، إذ حقق 100 انتصار مقابل 5 خسائر فقط، قبل أن يلمع اسمه عالميًا بحصده ذهبية أولمبياد روما عام 1960..ورغم هذا بقي يُعامل كمواطن درجة ثانية بسبب العنصرية، ما دفعه لأن يلقي بميداليته الذهبية في نهر أوهايو في لحظات غضب وإحباط.
في أكتوبر من العام نفسه، بدأ مسيرته الاحترافية بفوز رائع على توني هونيكر وقد كسر فيه كلاي كل القواعد التقليدية للعبة – إذ خفّض يديه وتحرّك بسرعة خاطفة – ومع ذلك كانت عظمة أدائه كفيلة بأن تدفع المدرب الشهير أنجيلو دندي لتدريبه، كان علي يرقص على الحلبة كما يرقص الباليه حتى قيل عنه إنه يفعل كل شيء خطأ، ولكن بطريقة عبقرية تجعله صائبًا.
في أوج مجده عام 1964 وبعد فوزه لأول مرة بلقب بطولة العالم اعتنق الإسلام وأعلن تغيير اسمه إلى "محمد علي" متأثرًا بالمفكر والمناضل مالكوم إكس صديقه المقرب، وواجه موجة من الهجوم الإعلامي والعنصري بسبب هذا التحول، لدرجة أن لجنة الملاكمة هددت بسحب لقبه، بحجة أن اللقب يعود لكاسيوس لا لمحمد.
ورغم اغتيال مالكوم إكس في 21 فبراير 1965، إلا أن علي استمر في معركته، منتصرًا ليس فقط في الحلبة، بل على مجتمع بأكمله رفض هويته الجديدة.
في خضم حرب فيتنام، رفض علي الانضمام للتجنيد في هذه الحرب، قائلاً: "لا أريد قتل الأبرياء، أريد السلام" فتم تجريده من ألقابه، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات وغرامة 10,000 دولار، ومنع من ممارسة الملاكمة 3 سنوات ونصف. لكنه لم ينكسر، بل تحوّل إلى أيقونة مقاومة للشباب الأمريكي الرافض للحرب والعنصرية، يلقي الخطب في الجامعات ويُلهب حماسة الجماهير.. وفي 1971، ألغت المحكمة العليا الأمريكية الحكم ضده، ليعود إلى الحلبة.
عاد علي ليقاتل جيري كوري ويفوز، ثم واجه جو فريزر في مباراة القرن على حلبة ماديسون سكوير، ليتلقى أول هزيمة في تاريخه الاحترافي. لكنه لم يستسلم رغم خسارته ثانية أمام كين نورتون، ثم عاد ليهزمه بصعوبة.
المعركة الكبرى جاءت في زائير، حيث التقى بوحش الحلبة جورج فورمان في مباراة ظن الجميع أنها النهاية لعلي إلا أن علي الذي هزم الحرب والعنصرية علم أن هزيمته هي هزيمة لملايين من المضطهدين حول العالم، وكانت المفاجأة أن علي صمد ببراعة، واستدرج خصمه بحنكة حتى الجولة الثامنة، ثم أطاح به بالضربة القاضية، مستعيدًا لقبه وكرامته وقلوب العالم.
واعتزل الملاكمة عام 1981 بسجلٍّ احترافيٍّ حافلٍ بالانتصارات، حيثُ حقق 56 فوزًا وخمس هزائم، وواصل نضاله السلمي اعتزّ بإسلامه وحينما عرض عليه شرف نجمة الشهرة بهوليوود وهي أمنية يحلم بها كل مشاهير العالم، لكن محمد علي رفضها وقال: أنا أحمل اسم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن المستحيل أن أسمح أن يطأه الناس بأقدامهم.
وأضاف: الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها قبول هذا التشريف هي إذا وضعتم اسمي على جدران الممشى بحيث يتطلع الناس إليه بدلا من أن يمشوا عليه وكان لمحمد علي ما أراد، وهي النجمة الوحيدة الموجودة على الجدران.
زار بلادًا كثيرة، أبرزها مصر حيث التقى الرئيس جمال عبد الناصر، وصلى بمساجدها وتجول بين أهراماتها ومعالمها وزار السد العالي، كما زار السعودية وقطر والعراق والبوسنة والمغرب، وحظي بتقدير كبار الزعماء والملوك.
في الثالث من يونيو عام 2016، أسدل الستار على حياة الأسطورة محمد علي، عن عمر ناهز الرابعة والسبعين، بعد صراعٍ طويل مع مرض باركنسون، الذي لازمه منذ أن ترجل عن حلبة الملاكمة وودّع الأضواء، لم يكن محمد علي مجرد ملاكم، بل كان مدرسةً في الإصرار والمبدأ، مناهضًا للعنصرية، رافضًا للظلم، بطلًا فوق الحلبة وخارجها، ورسولَ سلامٍ حقيقيٍّ.
Trending Plus