حوار وانتقام.. يختفى الشعر والفن خلف دخان الازدواجية والمزايدة!

ربما علينا دائما أن نؤكد لأنفسنا وللجميع أننا بشر ولسنا ملائكة أو شياطين، وطبيعى أن تكون لكل منا انحيازاته أو آراؤه السياسية والأيديولوجية أو العقائدية، ومن أهم صفات البشر أنهم يمكنهم التعايش معا، ضمن تنوع آراء يمكن من خلاله استيعاب بعضنا البعض باختلافاتنا وعيوبنا وتركيباتنا التصادمية.
لكن الواقع أن هذه الحالة الطبيعة تبدو بعيدة لدى قطاعات من الجمهور، ولا نبالغ فى القول إن النخبة تعانى من هذه الأعراض بشكل كبير، حيث تطغى مشاعر مشجعى كرة القدم والتعصب والانحياز على أى عقلانية أو تفهم، ونصل غالبا إلى ما أسميه «قضاة فيس بوك» الذين يعينون أنفسهم شرطة ونيابة وقضاء، يحققون ويصدرون أحكاما، وربما يسعون لتطبيق الحكم بالإعدام المعنوى أو الواقعى. والمفارقة أن هذه الأحكام تتم من دون استكمال أبسط أدوات البحث والمعرفة والمعلومة، وتتعلق غالبا بانحياز واضح مع أو ضد، وهو أمر لم يكن فقط فى قضية الصديق محمد الباز مع الصديقة نوارة نجم، أو الدكتور زاهى حواس مع روجان، أو حتى فى قضايا متنوعة تصدر فيها أحكام أو يفضل البعض البقاء ضمن حالة من الحياد المنحاز، حتى لا يغضب جمهور يرى أنه من متابعيه.
فى قضية الباز ونوارة خرج عدد من نشطاء السوشيال ميديا وبعضهم يتعاطف مع الإعلام، ليعلنوا تأييدهم الحبس لمجرد أنهم يختلفون مع محمد الباز، بل وبعضهم زايد على نوارة نجم، عندما أعلنت نيتها التراجع، وعلى نقيب الصحفيين، والمفارقة أن نوارة نجم واجهت ولا تزال هجوما واتهامات لمجرد أنها كتبت رأيها، فيما يجرى فى الحرب على غزة، والموقف المصرى، وانتقدت المزايدات، وجدت نوارة نفسها فى مرمى المزايدين ومحترفى الدونية، ولم ينحز إليها أى من هؤلاء الذين صمتوا لكونهم يخجلون من إعلان رأيهم، ويفضلون المزايدة، رغبة فى الكثير من اللايكات، وبدأوا فى إعلان انحيازهم ومطالبتهم بحبس محمد الباز، لأنهم يختلفون معه، وليس لأنهم دعاة حبس، بل وأحيانا ينضمون إلى حملات أخرى يكون فيها المحبوس ضمن المشاهير الذين يجلب التعاطف معهم لايكات، وهنا نحن وسط انحيازات واضحة واستقطاب لا علاقة له بحرية الرأى، بل إنه يعكس كيف يتحول الخلاف فى الرأى إلى عداء.
وهنا نعود لنؤكد البديهيات فى أن كل القضايا يمكن حلها بالحوار والمشاركة، والاختلاف والتنوع، وإذا كان هناك من يطالب بتوسيع المجال العام للجميع، فإن هذا يحتاج إلى اتساع أفق، وتخلى عن الانحيازيات، والتربص الذى يعانى منه قطاع واسع من النخب للأسف، بل ويجرون خلفهم جمهورا يبدو أحيانا أقل انحيازا منهم، ولا نبالغ إذا قلنا إن بعض من أيدوا الحبس فعلوا ذلك كراهية فى الباز وليس حبا فى نجم أو نوارة، وفى كثير من القضايا يشنون هجوما ويتبنون آراء هى فى الغالب نتاج منصات العداء بالخارج، فهم لا يحبون فلانا أو علانا لآرائه، وإنما لانحيازاتهم، ضمن ازدواجية واستقطاب لا علاقة لهما بالموضوع.
وللأسف هذه الظاهرة تقع ضمن مشاعر واختلالات نفسية، أصابت مجتمع السوشيال ميديا، ونقلت عدوى الانحياز بأسبقية البوست، وتشير إلى نوع من الازدواجية والفصام الاجتماعى والثقافى، ينعكس سلبا، ويمنع فى كثير من الأحيان النمو الطبيعى لحالة حوار يمكن أن تفيد، وتنهى الاستقطاب، وهى أعراض تركز أكثر على النميمة والإفيهات الخارجة أكثر من الشعر، حيث تسود مقاطع سريعة تغطى أحيانا على الشعر والأغانى لنجم وإمام، بل وتركز أكثر على مقاطع غير شعرية أو أدبية، وإنما أقرب للإفيهات والمفارقات، بينما نحن بحاجة للتنوع والاختلاف والنقد لمزيد من المعرفة.

Trending Plus