الضريبة العقارية.. تفعيل التحول الرقمي ودعم الصناعة

اتخذت الدولة المصرية في الآونة الأخيرة خطوات جادة لتحقيق الإصلاح الضريبي وتطوير المنظومة الضريبية، وذلك بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحرص كل الحرص على تذليل المعوقات التي تواجه المستثمرين والمواطنين، وتخفيف الأعباء عنهم، بما يعزز جهود الدولة لتوطين الصناعة وتشجيع الإنتاج المحلي، وتنمية الحصيلة الضريبية وتعظيم موارد الدولة.
لذلك أقرت الدولة في الشهور الأخيرة حزمة أولية من الحوافز والتيسيرات الضريبية والجمركية، وتدرس حزم أخرى ستعلن عنها الفترة المقبلة، تستهدف تحقيق الاستقرار الضريبي وإنهاء المنازعات الضريبية وتحفيز الاستثمار وتشجيع القطاعات الإنتاجية.
وشرعت الحكومة في دراسة بعض الآليات لتطوير وإصلاح منظومة الضريبة العقارية، سواء من الناحية التشريعية أو الإجرائية والتنظيمية، خطوات تتطلب السرعة والجدية وضرورة الاستماع إلى جميع الأطراف المعنية وخاصة نواب البرلمان ممثلي الشعب وصوت المواطن وكذلك المستثمرين والمصنعين وصغار المستثمرين، لتصل رسائل طمأنة للمستثمرين بأن الدولة تضع يدها على جميع المشكلات وأوجه القصور وتسعى بجدية لحلها.
البرلمان أيضاً من جانبه يبذل جهوداً كبيرة لحلحلة هذه الملفات سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فهناك مشروعات قوانين ودراسات مطروحة للمناقشة بشأن ملف الضريبة العقارية، وهناك توصيات في غاية الأهمية تقدمها المجالس النيابية تنتظر أذن صاغية من الحكومة وسرعة في خطوات التنفيذ.
وفي هذا الإطار، ناقش مجلس الشيوخ، دراسة الأثر التشريعي لقانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن (الضريبة العقارية)، المقدمة من النائب الزميل أكمل نجاتي، وهى دراسة مهمة تفتح ملفا بالغ الأهمية يتعلق بأحد التشريعات المؤثرة على مناخ الاستثمار وهو قانون الضريبة على العقارات المبنية، استكمالاً لدور مجلس الشيوخ الهام جداً بشأن دراسة الأثر التشريعي للقوانين خاصة التشريعات الاقتصادية التي تؤثر على الاستثمار.
لقد أثارت الدراسة عددا من الإشكاليات الواقعية التي لا يمكن تجاهلها، وعلى رأسها عدم وضوح منهجية تقدير وعاء الضريبة، وتعدد الجهات واللجان المسؤولة عن الحصر والتقدير، بما يؤدي إلى تفاوتات صارخة في تقدير القيمة الإيجارية حتى داخل نفس العقار أحيانا، وهذا لا يسهم فقط في فقدان الثقة في النظام الضريبي، بل يؤدي كذلك إلى تفاقم حجم المنازعات والطعون، وإبطاء عملية التحصيل.
كما أن الضريبة العقارية الحالية لا تقدم معاملة تفضيلية واضحة للأنشطة الصناعية، رغم كونها أحد روافد التشغيل والإنتاج المحلي، ونحن في مرحلة تتطلب دعم الإنتاج الحقيقي والتقليل من أعبائه، وليس العكس، فضلا عن أن الدراسة البرلمانية تسلط الضوء على أن الطعن الحكومي على التقديرات، واستمرار النزاع بين المصلحة والممول، يمثل إطالة غير مبررة في عمر المنازعة الضريبية، ويعرقل التحصيل، ويُربك الممولين، وخاصة في القطاع الخاص الذي يحتاج إلى استقرار مالي وتشريعي واضح.
إن هذه الدراسة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق العدالة الضريبية، لكننا بحاجة إلى استكمالها بتعديلات تشريعية جريئة تضع حدا للمشكلات التي طالما اشتكى منها المواطن والمستثمر على حد سواء، وتضمن عدالة في العبء الضريبي، وكفاءة في التحصيل، وشفافية في الإجراءات، فيجب العمل على تلافي المشكلات الحقيقية التي نتجت عن التطبيق الفعلي وتذليل العقبات والمعوقات.
وفى إطار منظومة الإصلاح الاقتصادى والضريبي التى تنتهجها الدولة خلال هذه المرحلة أصبح من الضرورى إجراء تعديل للتشريعات الضرورية بما يحقق تخفيف الأعباء عن المواطنين، وفى الوقت ذاته تعظيم إيرادات الدولة، ومن أهم التشريعات الضريبية التى صدرت خلال السنوات السابقة قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008، إلا أن تطبيق هذا القانون استلزم إعداد قاعدة بيانات دقيقة لحصر وتسجيل الثروة العقارية داخل البلاد، وواجهت مصلحة الضرائب العقارية صعوبات فى عملية حصر وتقدير هذه الثروة، مما أهدر على الدولة مليارات الجنيهات بسب ضعف وصعوبة التحصيل، فمنظومة الضرائب العقارية وفقا لبعض التقديرات يمكن أن تدخل للدولة من 200 إلى 300 مليار جنيه، بينما ما يحصل حالياً لا يتجاوز 7% من عدد الوحدات العقارية.
فالجميع يعلم أن حصيلة الضرائب العقارية ضعيفة جدا مقارنة بحجم زيادة الثروة العقارية سواء من حيث القيمة السوقية أو عدد العقارات، مما يكشف بعدًا آخر لغياب عدالة توزيع العبء الضريبي على أصحاب الثروات، فبحسب بعض التقديرات شهدت الثروة العقارية زيادة بلغت 107% في عدد الوحدات (سكني/إداري) خلال الفترة من 2006 إلى 2021 بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما أنه يشار إلى أنه بلغ عدد الوحدات 58 مليون وحدة في 2021 مقارنة بـ 27.9 مليون وحدة في 2006.
وأيا كانت مدى دقة التقديرات فالواقع الملموس أن الضريبة العقارية لا يتم تحصيلها إلا بنسب ضئيلة، وأن هناك ضرورة كبيرة لتحصيلها لتنمية موارد الدولة، وهناك معوقات مثل عدم عدالة تقديرات القيم السوقية/القيم الإيجارية للثروة العقارية، حيث تقوم بعض لجان الحصر والتقييم بتقدير القيم السوقية للعقارات بشكل جزافي وعشوائي (أعلى أو أقل) وهو ما يُحدِث خللًا في الوعاء الضريبي وبالتالي الحصيلة، فضلاً عن عدم تفعيل المواد العقابية لجريمة التهرب الضريبي المنصوص عليها في قانون الضرائب على العقارات المبنية رقم 196 لسنة 2008، وتنص على تغريم المتهربين من أداء الضريبة.
هذا بالإضافة إلى تأخر عملية التحول الرقمي داخل مصلحة الضرائب العقارية، والحاجة الملحة إلى ميكنة الخدمات والإجراءات وتيسيرها، وتسهيل حصر الثروة العقارية وتسجيل العقارات وإشهارها، والدولة اتخذت إجراءات مهمة خلال الفترة الأخيرة منها إصدار قانون الرقم القومي الموحد للعقارات والذي إذا تم تفعيله، سيحل مشكلات حصر وتسجيل العقارات في السجل العيني عن طريق إنشاء قاعدة بيانات حقيقية للثروة العقارية يتم على أساسها تحديد الوعاء الضريبي، ومن الضروري أن يتبعه تقييم عادل للقيم السوقية للثروة العقارية، وهو ما يتطلب ميكنة عمليات التقييم.
وبات من الضروري دراسة النظر في إعفاء المسكن الخاص الوحيد تمامًا من الضريبة العقارية لكونه لا يحقق ثمة عوائد استثمارية على مالك العقار، مع تحصيل ضريبة عن أي وحدات عقارية أخرى غير المسكن الخاص، وضرورة تيسير إجراءات الطعون وسرعة الفصل فيها، فضلاً عن ضرورة منح إعفاءات وتيسيرات ضريبية وحوافز في الضريبة العقارية للقطاع الصناعي لجذب الاستثمارات وتعزيز الإنتاج المحلي وتنمية الصادرات وتخفيف الأعباء.
لذلك أرى ضرورة إجراء تعديل تشريعي شامل في قانون الضريبة على العقارات المبنية بما يسهل الإجراءات على المستثمرين والمواطنين ويخفف الأعباء ويتلافى أوجه القصور والسلبيات في القانون الحالي، ويوفر حوافز وتيسيرات ضريبية، وسرعة تطبيق التحول الرقمي والميكنة في منظومة الضرائب العقارية مما يسهل تحصيل الضريبة العقارية وإعداد قاعدة بيانات واضحة، فالجميع يتفق على ضرورة تحصيل الضريبة العقارية خاصة أن بعض التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد غير الرسمي 40% منه موجود في المجال والاستثمار العقاري.
يجب تيسير وتبسيط إجراءات تسجيل العقارات مما يسهل حصر الثروة الثروة العقارية في مصر، ومع تطبيق الرقمنة والميكنة يمكن إعداد قاعدة بيانات واضحة ودقيقة للثروة العقارية، بالإضافة إلى العمل على رفع حد الإعفاء الضريبي، حيث إن القانون الحالي في المادة الخامسة يمنح إعفاء ضريبيا للعقارات السكنية التي تتجاوز قيمتها 2 مليون جنيه، بشرط أن تكون مخصصة كسكن رئيسي للمالك، وهذه المادة لا تحقق العدالة وهناك أموال كبيرة تضيع على الدولة في الضرائب العقارية، فلا بد من تيسير إجراءات الطعون وسرعة إنهاء المنازعات الضريبية حرصاً على تخفيف الأعباء عن الممولين وزيادة الحصيلة الضريبية.
ويجب مراعاة البعد الاجتماعي وتحقيق العدالة الضريبية، وأن يتم تحديد الضريبة العقارية وفقا لشرائح فلا يمكن مساواة منطقة راقية بمنطقة شعبية ولا فيلا بشقة، ولا صاحب أعمال بمواطن بسيط، ولا مسكن بمحل أو مول تجاري، فالضريبة العقارية هى ضريبة على الثروة العقارية، ويجب الاهتمام بها وتنشيطها وتفعيلها على أرض الواقع لما لها من أهمية اقتصادية في تنمية وتعظيم موارد الدولة، وكذلك أهمية إلزامية توحيد القيمة للضريبة العقارية.
ولا يفوتني أن أثمن خطوة الحكومة منذ أيام بالموافقة على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008، وذلك في إطار الحزمة الأولى من مبادرة التسهيلات الضريبية، وما يتضمن ذلك من إصلاحات تشريعية تتعلق بضريبة العقارات المبنية، وذلك وفق رؤية تستهدف تخفيف الأعباء الضريبية مراعاة للبعدين الاجتماعي والاقتصادي للمكلفين بأداء الضريبة على العقارات المبنية، سواء لدي تقديم الإقرارات الضريبية أو لدي سداد الضريبة المستحقة ومقابل التأخير، والعمل على تبسيط الإجراءات الضريبية وميكنتها، وهو ما يأتي في ضوء جهود التحول الرقمي الذي تشهده الدولة وحوكمة مختلف الإجراءات، هذا إلى جانب التعامل مع ما كشف عنه التطبيق العملي لأحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية من سلبيات.
وتضمنت ملامح التسهيلات العديد من النقاط، منها ما يتعلق بتبسيط الإقرار الضريبي، وإصلاح وتطوير منظومة الطعن الضريبي، وتخفيف العبء عن كاهل المكلفين المتنازعين على وعاء الضريبة، وزيادة حد الإعفاء الضريبي للسكن الخاص، وتبسيط إجراءات رفع الضريبة عن المكلفين، واسقاط دين الضريبة ومقابل التأخير في حالات محددة، والحجية لإيصالات السداد الالكتروني للضريبة، وأيضا وضع حد أقصى لمقابل التأخير وإعفاء كامل منه عند سداد أصل الدين خلال مهلة محددة.
وهذه التعديلات مهمة لكن يجب أن تكون النظرة شاملة وألا يكون تعديلاً جزئياً، والأمر المهم هو التوافق لدى الحكومة على رفع حد الإعفاء الضريبي للعقارات المبنية والوحدات التي يتخذها المكلف سكناً خاصاً له ولأسرته، حيث تم زيادة صافي القيمة الإيجارية إلى 50 ألف وهناك اقتراحات ومطالبات أخرى برفع الحد إلى 60 ألف جنيه، فضلا عن ظراسة رفع قيمة الإعفاء الضريبي في الضرائب العقارية ليشمل الوحدات السكنية التي لا تتجاوز قيمتها السوقية 4 ملايين جنيه، وذلك بهدف التخفيف عن المواطنين ومراعاة الواقع الاقتصادي الحالي.
وأدعو إلى أهمية إعادة النظر جذرياً في أسلوب التعامل مع العقارات المبنية المستخدمة كمصانع، حيث لا يجب أن تقيم بنفس معايير تقييم المولات التجارية والأنشطة الاستثمارية الأخرى، لما لذلك من أثر مباشر على تكلفة الإنتاج وهامش الربحية.
فالضريبة العقارية لها تأثير على النشاط الصناعي، لذلك يجب تحفيز المستثمرين الأجانب والمحليين في القطاع الصناعي لجذبهم للاستثمار في مصر، ويجب إعفاء المصانع والمشروعات الصناعية ومنها المشروعات المتوسطة والصغيرة، من الضريبة العقارية لفترة زمنية تصل إلى حوالي 5 أو 6 سنوات في بداية النشاط، فذلك يترتب عليه إعطاء فرصة للمستثمر لضخ الكثير من الأموال في الاستثمار الصناعي، مما يساهم في تعظيم قيمة الصناعة وتشجيع القطاعات الإنتاجية وتنمية الصادرات وتوفير فرص العمل.
Trending Plus