لا برىء تحت خيمة الدم.. عن الصهيونية وإسرائيل بين وقائع ساطعة ومزاعم ساقطة

كان العادى طوال الوقت أن تُمارس إسرائيل الإبادة الجماعية، ثم تُنفق جهدًا مُوازيًا فى إنكارها والتعمية عليها. وسقطت الآليَّةُ فى جُملة ما تهاوى مع الطوفان وتداعياته، غير أنها على ما يبدو، لا تتصالَحُ مع المسألة تمامًا.
وفيما ترقص بكاملها على الدم وأكوام الأشلاء، يتسلَّط عليها شعورٌ مكتوم بالانحطاط، ويلازمُها عارٌ لم تنجح فى إخفائه على صعيد تفاعلاتها الداخلية، ولو تبجّحت أمام العالم، واستمرأت حال الحصانة التى تمتَّعت بها عقودًا.
الهبّةُ الساخنة على أحد أقطابها السياسيين، يائير جولان رئيس حزب الديمقراطيين ومُمثِّل تيَّار واسع من تحالف اليسار، كانت دليلاً على أنها تعرف حدود الجريمة التى تُمارسها علنًا، ولا تحتمل أن يُنزَع عنها الغطاء فى بيئتها. لا سيما أنَّ الإدانة يُقرّها جنرالٌ سابق، شغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان، وكان مُرشَّحًا لإدارة جيش الاحتلال، والمُؤكَّد أنه شريك فى جرائم قتل سابقة، ولم يعدم المُبرِّرات وقتَها لإنفاذ فعلته والإفلات بها، ما يعنى أن الوقائع المستجدة أثقل من كل سابقةٍ منظورة، وأعصى على التبرير والتمرير.
والشطر الأعرض فيما قاله جولان ليس جديدًا، ويتردَّد منذ شهور عبر أغلب المنصَّات العِبرية، وفى آراء الساسة وإفادات الخبراء والمُحلِّلين.
لا أحد فى دولة الشرِّ يُنكر أن الحرب على غزَّة تخطّت الأمن منذ بدايتها تقريبًا، وصارت عملاً سياسيًّا بأهداف شخصية، يرتاح إليها المجموع لنوايا عميقة لا يختلف فيها أحدهم عن الآخر، لكن الزائد أنَّ الحديث انطوى على إدانة للكيان نفسه، من حيث أنه ذاهب فى مسار يتضادّ مع العقل، ويُوشك أن يجعله دولةً مخبولة ومنبوذة، إذ الدول العاقلة لا تُمارس الإبادة والتطهير، ولا تقتل الأطفال كهواية.
تجنّد الصهاينةُ من كل التيارات دفاعًا عن بلدٍ نازىٍّ، ونسخةٍ مُشوَّهة صنعوها بإرادتهم ولا يسعون لإصلاحها، أو يتقبّلون وضعها على كرسى المُساءلة كخطوةٍ ضرورية نحو التشخيص والعلاج.
انتُقد زعيم الديمقراطيين من أطياف اليمين والوسط، ومن الحكومة المتطرّفة ومعُارضيها المُختلفين على برنامجها وأسلوب عملها. واضطُرّ صاحبُ الرسالة إلى سحبها سريعًا، وتقديم ما يُشبه الاعتذار عن التوصيف.
بقيت الوقائعُ على حالها، لكنّ تمثّلاتها اللغوية صُبَّتْ فى قوالب سميكة وناعمة نسبيًّا، بما لا يعنى أن الجنرال قد صار طيّبًا فجأة، ولا أنَّ مصّاصى الدماء الذين أرعبوه قد انتصروا فعليًّا على الحقيقة وقوة الصورة.
وفى تتالٍ زمنى سريع، كان آلاف المستوطنين ينظمون فعاليتهم السنوية المعروفة بـ«مسيرة الأعلام» فى الأسبوع الأخير من مايو.
سبقهم وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن جفير باقتحام الأقصى مع جمهرة من محازبيه التوراتيين، ثم احتشد معهم فى حراسة آلاف من عناصر الشرطة الواقعين تحت سلطته، ورُفعت فيها لافتات تدعو لتكرار النكبة الأولى، فضلاً على هتافات تنادى بالموت للعرب والمسلمين، وأغنيات تفتخر بأنه لم تعُد فى غزة مدارس قائمة، ولا أطفال ليقصدوها أصلا، وتاريخ المسيرة يعود إلى نكبة أخرى، إذ بدأت على مقربة من الذكرى السنوية الأولى لعدوان يونيو 1967، بدعوة من الحاخام يهودا حزانى المنتمى لمدرسة توراتية تُعرف باسم «مركز الحاخام»، لتكون طاقة دفع لمشاريع الاستيطان والتهويد.
وقد تحوّلت من مُلتقىً شعبى لا صفة رسميّة له، إلى فعالية ترعاها الدولة بدعم مباشر من وزارة التعليم وبلدية القدس. وفى بعض السنوات كانت أجهزة الأمن تمنع المشاركين من دخول البلدة القديمة، لكنها صارت تواكب تحركاتهم وتحميها، وتشرف على أعمالهم التخريبية وتعدّيهم على المقدسيين، كما جرى فى النسخة الأخيرة قبل أيام.
التعميم مفسدةٌ من دون شَكّ، لكن الاستثناءات تُؤكد القاعدة دائما وتُثبّتها، وتدغم المجموع العريض بتأثيراتها وما يتولّد عنها من مسؤوليات تضامنية، فى السياسة وأمام القانون أيضا.
ولا تخلو الصحافة العبرية بالقطع من أصواتٍ ناقدة، كما تتواتر جهود مدنية رافضة للوحشية الصهيونية، وإن كانت خافتة وقليلة التأثير. وهذا ممَّا يخلق مشهدًا مُلتبسًا جزئيًّا بشأن النظر إلى تركيبة المجتمع الإسرائيلى، وأحسب شخصيًّا أنه يُقيم الحجّة على الرافضين بما لا يقل عن نظرائهم، من الداعمين السائرين فى مواكب القتل وأعراس الدم.
بمؤشرات تقريبية، فإن نحو مليون تقريبًا من الصهاينة، يمثلون ما لا يقل عن 15% من مجموع السكان، يحملون جنسية ثانية تتصل ببلد آمن وأكثر إغراء من إسرائيل. وكى لا يكون الرفض مجانيًّا أو من أعمال الدعاية وغسل السمعة، فالواجب أن تكون المواقف العملية أكثر جدية وصرامة، أكان بالاعتراض الصاخب وتنظيم الجهود فى أنشطة مثمرة، وجادة فى ضغوطها وآثارها، أو الخروج من القرية الظالم أهلها، تعبيرًا على الأقل عن عدم الرضا، وتعزيزا لورشة البحث عن بديل أقل جنونا وأكثر إنسانية.
أما الاكتفاء بإبراء الذمة قولا، فيما يتنعّم المتطهرون بمزايا الاحتلال وعوائده المقتطعة من أرض الفلسطينيين وأجسادهم، فأقرب إلى الاحتيال الساذج على الضمير والأخلاق، كما لو أن رجل الدين يحاضر عن الفضيلة ويقتسم مغانم السرقات، مكتفيا بإراحة الضمير عبر اغتراف حصّته من صندوق النذور، لا من أيدى اللصوص مباشرة.
والحال أن التاريخ لم يعد قادرا على سد الثغرة المتوسعة راهنا، فيما لا يغنى الحاضر بتعقيداته المستجدة عن النظر للوراء، وتأصيل المسألة من جذورها.
كانت فلسطين وصارت إسرائيل، بالخداع والاحتلال والبطش، إنما الحقيقة القاطعة أنها وُلِدت ولادة قسرية، هجينة ومُشوّهة، لا من ناحية اقتطاع أراضى الغير وتطهيرها منهم فحسب، ولكن لجهة أنها كانت عملا امبرياليًّا بنكهة شديدة اليمينية والرجعية الدينية، وإن بُنِيَت على أكتاف اليسار ظاهرًا.
والقصد، أن الأيديولوجيا وأطيافها فى الدولة العبرية ليست كما فى غيرها من الدول والمجتمعات الطبيعية، والمعانى ملوّثة قصدًا منذ البداية، والممارسات لها عناوين مُعلَنَة ومضامين خفيّة، ولا يصح النظر فيها ومقاربتها على وجه سليم إلا من داخل تناقضاتها القديمة، واعتلالاتها البنيوية المصاحبة للتأسيس، والمسايرة للتجربة من بدايتها حتى اللحظة.
اليسار الإسرائيلى ليس يسارًا على المعنى الشائع، ربما يستحق الصفة حال مقارنته باليمين المجاور له فى البيئة نفسها، لكنهما يرقصان معًا داخل دائرة مغلقة شديدة اليمينية، ومُسيّجة بالنار، وتبتدئ القيم فيها من محطة الغصب والقضم والابتلاع واستحلال الأملاك والأرواح، ثم يُعاد تعريف المفاتيح الأخلاقية على تلك القاعدة المحرفة أصلا.
فالذين أساءهم الإفراط فى القتل اليوم لا يرفضونه دائما وعلى إطلاقه، والغاضبون من توسُّع المستوطنات فى الضفة الغربية ينامون على أسرّةٍ مسلوبة من أصحابها الحقيقيين.
كما لا يمكن بأية حال افتراض أن أعتى الحقوقيين والعلمانيين الناطقين بالعبرية يقبلون بدولة فلسطينية كاملة الأهلية، ناهيك عن الحديث المتقدم للغاية بشأن إعادة الحقوق لمالكيها الأصلاء، أو حتى تفعيل قرار التقسيم الأممى رقم 181 بمنحهم قرابة نصف الجغرافيا، والنظر لهم على قدم المساواة مع ضيوف تسرّبوا بالمكر من شقوق الأرض، ثم صار نزاعهم الأكبر بين طرد أهل البيت أو التفضل عليهم بعشّة فى حديقته الخلفية.
إسرائيل مُجمِعةٌ بكاملها على أن تظل ندبةً فى جبين العالم، وجرحا مفتوحا فى ضميره لا يتوقف عن النزف. ومثلما يشيع بينهم عنّا أن «العربى الجيد هو العربى الميّت»، فالتجربة الطويلة أثبتت أن الصهيونى الجيد منهم يُفاضل فى مظهر المقتلة لا جوهرها، وفى الحد المقبول من الفتات المتاح للفلسطينيين، وكيف تُدار الأطماع مرحليا وعلى المدى الطويل، وهل نجاهر بالبندقية سريعا أم نخبّئها وراء ظهورنا إلى أوان غير بعيد.
وهذا ليس من قبيل النمذجة أو التنميط اللذين يوقّعانهما على محيطهما القريب والبعيد، بل استخلاصات ذات حجية بأثر التكرار الطويل، وفيها وقائع عديدة تناسلت من أرحام بعضها، وعليها قرائن لا ينكرها المتطرفون منهم، ولا يُدينها مدّعو الموضوعية بالكامل أو يسعون لتغييرها بدأب وإخلاص.
ربما كانت المظلمة اليهودية حقيقية بالصورة التى روّجوها، ولست معنيا بإنكارها ولا الجدل فى الحجم والعدد، لا لشىء إلا أننى أعرف يقينا أن النازيين كانوا مجرمين تماما معهم ومع غيرهم، ويُدانون بالواحد كما بالألف، وتكفى واقعة واحدة مُثبتة لوصْمهم أبد الدهر والانحياز لضحاياهم دون شروط.
لكن الذنوب إمَّا تُغفَر أو يُقتَصّ من مرتكبيها، ولا يمكن فى أية شرعة أو قانون أن تُحمَل على أكتاف آخرين، لم يكونوا طرفًا فيها ولا باركوها بالتصريح أو التلميح.
ولكن الحادث أن خطايا هتلر كانت ممرًّا ذهبيًّا لعقاب الفلسطينيين عليها بأثرٍ رجعىٍّ لا يتقادَم، قبل أن يتلبس قادة إسرائيل أقنعة جنرالات الجيش النازى، ويدخل جمهورهم العريض فى دين الرايخ الثالث أفواجًا: الأغلبية مشاركون وداعمون، والأقلية يسيرون مع الراعى ويأكلون فى زمرة الذئاب.
مُعدّل الامتناع عن الخدمة العسكرية لا ينبئ حقيقة عن غضبة شعبية عالية وحقيقية، وأغلبه يتّصل بالخلاف على أهداف نتنياهو، والانخراط فى حرب من دون عناوين واضحة. استطلاعات الرأى تعبر عن موجة وحشية سائدة ومتسلطة على القطاع الأكبر، والمعترضون ينبع موقفهم من الاعتراض على الخطاب السياسى لائتلاف الليكود، لا على جوهر السياسة الذى لم يتبدّل تقريبا منذ نشأة الدولة.
أما المحايدون فإنهم أقرب للقاتل من القتيل، ويغسلون ضمائرهم بالحياد الرخيص فحسب، لأن التعامى عن الصور الفجة دليل على عمى البصر والقلب، أو على الاقتناع والشراكة الكاملة فى الجرم والتبعات.
وعلى هذا، يصح الارتياب فى مواقف وأطروحات المحللين وبعض التيارات ذات النكهة المدنية، إذ لا شىء يمنع من أن تكون مجرد محاولات لموازنة الصورة، وخلق مفارقات بينية تستكمل طقوس السردية الديمقراطية المزعومة، وتعزز الالتباس ما بين أفراد العصابة الواحدة، وفيما يجمعهم بالخارج أو يتقاطع معه.
المحكمة العليا تلعب أدوارا مخاتلة دوما، وحتى القضاء العسكرى، فى بلد احتلال تأسَّس على دعامة الجيش، يمكن أن تقع فيه على محاكمات وإدانات لبعض التجاوزات، لكنه القليل عددا والأقل فداحة فقط، وذلك لاحتياج الهاسبراه وآلة الدعاية لما تسوّقه خارجيًّا، ولأن ولاية بعض مرافق القانون الدولى تُرفَع حال إثارة الدعاوى نفسها أمام القضاء الوطنى.
لا يخلو الأمر من مبادرات طوعية محسوبة أو إجراءات اضطرارية أحيانا. نتنياهو الذى أطلق حرب الإبادة والتطهير العرقى على القطاع، وكان يُؤمِّن بمواقفه على ما يقوله رجاله المخابيل، ومنهم وزير دفاعه السابق يوآف جالانت فى وصفه الغزيين بأنهم «حيوانات بشرية»، سلّح الغذاء والإمدادات الضرورية، ليغلق محابس الحياة على المدنيين ويحرمهم فسحة الأمل، لكنه اضطُرّ مؤخرا لانتزاع قرار من عصابته الحربية بتمرير المساعدات الإنسانية، وقال إنها خطوة ضرورية لاعتبارات سياسية ودبلوماسية.
جوّع الناس لصالح إسرائيل، ثم عندما عاد لإطعامهم لم يكن ذلك إلا لصالحها أيضا، وليس لأنهم بشر لهم حقوق، أو لأنه يلتزم تجاههم بقوة القانون والأخلاق، وعليه واجبات لا تقبل المناورة والتحايل انطلاقا من كونه القوة القائمة بالاحتلال.
فُجِع الصهاينة بكلمة يائير جولان كما لم تفجعهم أية انتقادات أخرى على امتداد العالم. وليس ذلك لأنه كشف لهم ما كان مخفيا عنهم، أو لأنه وضعهم أمام التوصيف الدقيق لجريمة يرتكبونها دون انشغال بتعريفها أو وعى بفداحتها، إنما لأنه يشق الصف، ويطعن السردية الملفقة من داخلها، ويقيم الحجة على الصهيونية بلغتها وقانونها ونيرانها الصديقة.
وهُم قد اعتادوا على استمراء المظلمة، واتخاذها حجابا من دون الناس للنفاذ إلى أهدافهم، فيما الشهادة القاسية بالعبرية، ومن سياسى حالى وجنرال سابق، تهدم الهيكل المقدس الذى يتعبدون فيه جميعا، ويوزعون الأدوار على بعضهم، بين من يقدم القرابين ومن ينحرها أو يعجن فطيرة الدم، فيما تقضى مهمة البعض بأن يأكلوها بأيد نظيفة وابتسامات بلاستيكية منمقة.
لا أحد فى إسرائيل برىء من المحرقة. الجميع مدانون لأنهم شركاء وشهود، وأوصلوا حكومة الليكود وحلفائها إلى موقع القرار والفعل، واختاروا من قبل أن يكونوا لصوصا وتواضعوا على الصيغة التى ابتدأت منها الدولة كيانا ملفقا، وآلت إلى وحش دموى لا يمكن الاكتفاء بالقدح فى مخالبه وأنيابه، دون الغريزة التى تحمله على مطاردة الفريسة، والأقدام التى تسعى بها لضحاياها، والذيل الذى يهش عنها سهام النقد وذباب الضمير العالمى المثير للغثيان.
نُخطئ كلنا إذ نُستَدرج إلى الحيلة الساذجة كما يريدونها، ونختزل المسألة فى حكومة يرأسها نتنياهو، وتتحلق حوله فيها جمهرة من التوراتيين والقوميين المخابيل. كأن سوابق حكوماتهم ما قضمت أرضا ولا نهشت بشرا، وكأن نكباتنا المتوالية كانت مصادفة عابرة أو من صنيعة كائنات فضائية.
عشرات الآلاف صاروا بعد ثمانية عقود نحو عشرة ملايين، تواطئوا كابرا عن كابر على قتل مئات الآلاف واغتصاب حقوقهم، وإن صحّ الافتراض بأن فيهم يدا لم يلوّثها الدم، فأقله على الإطلاق أن تكون دفعت ثمن رصاصة أو موّلت تكاليف عدوان. المسؤولية تضامنية بين الفاعل والشريك، والشراكة متحققة طوال الوقت بالإشراف على المذبحة واقتسام غنائمها. وبعيدا من فكرة الهجرة العكسية تماما، فإن الشارع الساكن نسبيا إلا من ذوى الرهائن، برهان لا يعوزه دليل إضافى على أنهم جميعا يحملون وزر المأساة بالتساوى.
وعليه، فالخصومة واضحة دون حاجة للجدل وفوائض الأخذ والرد فى المغالطات. إسرائيل دولة إبادة جماعية، والحكم فيها ينطبق على الفرد والمجموع، والإدانة إذ تُوجّه إلى المظلة، فإنها لا تستثنى بالضرورة أحدا من المستظلين بها. البراءة تتحقق بالغضب الهادر، والمواقف الجادة، والتبرؤ الصريح مع الانخراط فى كل الفعاليات ومجالات الخصومة المفتوحة، ولصالح الضحايا صراحة وبلا مراوغة.
ما حُرّكت دعاوى أمام القضاء الإسرائيلى، ولا قُدّمت شهادات من بعضهم لمؤازرة القضايا المثارة دوليا. الكلام نضالات مأمونة وحملات علاقات عامة غير مكلفة، والمواقف الجادة تُقاس بالأفعال لا الأقوال. اليوم يسير رئيسا الحكومة السابقان أولمرت وباراك فى مواكب النقد، وكانوا سابقا مشرفين على جرائم شبيهة. جنرالات سابقون يتطهرون لتخفيف الوقائع وإدامتها، وعما قريب سيُخلون مواقعهم لجنرالات آخرين، لو تتبعتهم الآن ستجدهم يحصدون أرواح الأبرياء فى الميدان.
أما على الجانب المقابل، فعلينا أن نكون أكثر جدّية وشمولاً فى النظر للوقائع وتكييفها، وألا ننساق وراء المزاعم أو نُلدَغ من جُحرها مرّة بعد أخرى. علينا ألا نُعوِّل على حُكومات تُسلِّم رايتها لما بعدها، فيما نُراهن فى كل فاصلةٍ على العقل فيُخرج لنا الجنون لسانه.
يتوجّب صَفّ الجرائم تحت صِفَة العمومية والشمول، وأن نرفعها فى وجه كل حكومةٍ جديدة أو مُعاد تدويرها، مع تنشيط أدوات المقاومة والادّعاء، عبر المرافق الدولية ومن خلال فعاليات شعبية ومِدنية، تشمل الرصد والتوثيق والمؤتمرات والمحاكمات الشعبية، وتتبع المتورّطين بالفعل أو الصمت على امتداد العالم، وإدانتهم ووَصْم المتعاملين معهم.
فارق السلاح شاسع، إنما إمكانات العقول والدعاية قادرة على التعويض. لا أحد برىء تحت خيمة الدمّ، ولن تعتدل إسرائيل ما لم يعرف آحادها أنهم مشمولون بجناياتها، وأن ما يتغاضون عنها ارتضاءً سيُلاحقهم من حيث لا يتوقّعون. من أَمِنَ العقاب أساء الأدب، والعقوبة يجب أن تشمل مجموع العصابة بكل أطيافها، لربما يكونون فى المستقبل أدواتٍ فاعلةٍ فى تأديب بعضهم، وكبح المنحطّين والنازيين بين صفوفهم.
Trending Plus