هل الموضة والمكانة أسباب ارتداء الناس للنظارات الأحادية بالقرن الـ19؟

كنا نشاهد فى الأفلام القديمة الأغنياء وهم يضعون على عيونهم "نظارة بعدسة واحدة" والتى يطلق عليها "النظارة الأحادية" وقد أثبتت الدراسات العلمية أنها لم تكن مثالية فى تصحيح البصر، ومع ذلك كانت خلال القرن التاسع عشر، وقع أمر غريب إذ بدأت هذه العدسة تكتسب أهمية، وأصبحت رمزًا قويًا على الطبقة الاجتماعية، والبراعة الفكرية، والهوية الثقافية.
والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا أصبحت هذه العدسة رمزًا على المكانة الاجتماعية؟ ولماذا بدأ الناس بارتداء العدسات الأحادية فى حين أن النظارات ثنائية العدسات كانت موجودة منذ القرن الثالث عشر؟ ولماذا اختفت فى نهاية المطاف؟
وفقًا لما ذكره موقع هيستورى فاكت، يعد أصل النظارة الأحادية غامضًا إلى حد ما، ويرجح أنها تطورت من "عدسة الفحص"، وهى عدسة مكبرة مثبتة على مقبض، ترفع أمام العين لتسهيل القراءة أو الفحص، بمرور الوقت، استغني عن المقبض، وأصبحت العدسة تثبت في مكانها بواسطة تجويف العين نفسه.
كانت العدسات الأحادية مفيدة لقراءة النصوص الصغيرة، والمهام التى تتطلب رؤية قريبة، كما أنها أتاحت حرية استخدام اليدين وسهولة الحمل، إذ يمكن وضعها بسهولة في الجيب العلوي.
ومع ذلك فإن هذه العدسة تعاني من عيب واضح، فهي تصحح الرؤية في عين واحدة فقط، قد يكون ذلك مناسبًا لمن يعانون من تفاوت انكسار النظر بين العينين، لكن معظم مستخدمي العدسة الأحادية كانوا في الواقع بحاجة لتصحيح بصري في كلتا العينين.
وناقش الأطباء هذه المشكلة منذ أوائل القرن التاسع عشر، وغالبًا ما كانت تعليقاتهم سلبية، ففي رسالة ألمانية مجهولة المصدر نشرت عام 1824، ورد أنه "يجب تجنب استخدام النظارة الأحادية، لأنها تخل بتوازن الرؤية الثنائية".
وفي العام نفسه، حذر ويليام كيتشنر، أخصائي البصريات في لندن، من أن "هذه اللعبة الخبيثة ستؤدى، لا محالة، خلال سنوات قليلة، إلى ضعف في الرؤية في إحدى العينين أو كلتيهما".
في ذلك الوقت، كانت النظارات ثنائية العدسات موجودة بالفعل منذ قرون، وقد تطورت باستمرار منذ اختراعها في إيطاليا في القرن الثالث عشر، فلماذا إذًا كانت النظارات الأحادية شائعة في القرنين التاسع عشر وأوائل العشرين؟ الإجابة باختصار "الموضة".
كان من أوائل من ارتدوا النظارة الأحادية بشكل لافت هو فيليب فون ستوش، تاجر الآثار البروسي، وشخصية مرموقة في المجتمع الأوروبي في القرن الثامن عشر، ينسب إليه الفضل في جعل النظارة الأحادية إكسسوارًا عصريًا.
في بريطانيا، يعتقد أن العدسات الأحادية بدأت تنتشر بين روّاد المسرح في أوائل القرن التاسع عشر – وهي فرضية طرحها بيت هـ. هربرت في مقاله "نظرة على العدسة الأحادية" عام 1950 – ثم انتقلت إلى أوساط الطبقات العليا، لتصبح رمزًا للأناقة أولًا.
في عام 1814، أدخل المخترع النمساوي "جيه إف فويجتلاندر"، الذي كان يدرس البصريات في لندن، العدسة الأحادية إلى فيينا، مما ساعد على انتشار هذه الموضة إلى روسيا وألمانيا.
وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، كانت العدسات الأحادية قد لاقت رواجًا واسعًا بين الأثرياء وأصحاب النفوذ، لا سيما في إنجلترا وألمانيا، وبلغت ذروتها حوالي عام 1913، لكنها لم تحظ بشعبية كبيرة هناك كما في أوروبا.

Trending Plus