هيبة الصمت

محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي
بقلم: محمود عبد الراضي

في زمنٍ تُنصب فيه المنابر على كل زاوية، ويُصبح الميكروفون أداة نجاة لا وسيلة بلاغ، تتراجع هيبة الصمت إلى الخلف، لكنها لا تسقط، تظل واقفة، كشيخٍ وقورٍ في مجلس مليء بالمراهقين الصوتيين، لا يعلو صوته، لكنه يُسمع.

الصمت ليس عجزًا كما يتوهم البعض، بل اختيار، وأحيانًا عقيدة، هو القوة التي لا تحتاج إلى استعراض، واللغة التي تفهمها الأرواح دون حاجة إلى ترجمان، في كل مرة يصمت فيها عاقل أمام ضجيج السفهاء، يسجل موقفًا لا تلتقطه الكاميرات، لكنه يُحفر في الذاكرة.

الصمت ليس غيابًا عن المشهد، بل حضور بأدوات مختلفة، إنه رفضٌ أن تكون جزءًا من مهرجان الردح العام، وقرارٌ أن تحمي ما تبقى من كرامة الحروف من عبث الأقلام المرتجفة. الصمت، في كثير من الأحيان، أعلى صوتًا من الكلام، لأنه لا يطلب التصفيق، بل يكتفي بالوقار.

هيبة الصمت لا تأتي من الفراغ، بل من إدراك عميق بأن بعض المعارك لا تُخاض باللسان، بل تُكسب بالصبر، أن بعض المواقف لا تحتاج إلى تعليق، لأنها فضحت نفسها بنفسها، وأن كثرة الشرح تفسد المعنى، مثلما يفسد الطهي الزائد طعم الطعام.

في كل زمن، يظهر من يجعل من الصخب بطولة، ومن يخلط بين الجرأة والوقاحة، وبين التعبير والتشهير، وبين الرأي والتهريج، حينها فقط، تتجلى عظمة الصمت، كأنها قصرٌ منيع لا يطاله العبث، وكأنها لغة خاصة لا يقرأها إلا من يعرف كيف يُصغي.

الصمت لا يُستخدم دائمًا، لكنه يُختار بحكمة، لا يعني الضعف، بل يعني أنك أكبر من أن تنزل إلى وحل الجدال، أنك لا ترى جدوى في تضييع وقتك في الرد على من لا يستحق السمع أصلًا، الصمت في وجه التفاهة بطولة، وفي مواجهة القيل والقال درع.

أحيانًا، تكون الكلمة أرخص من أن تُقال، تكون الحروف مجرد طلقات طائشة في معركة خاسرة، أما الصمت، فهو انسحاب تكتيكي من فوضى لا تنتهي، واستعلاء على مستوى لا يستحق النزول إليه.

والأجمل أن الصمت لا يحتاج تبريرًا، يكفيك أن تكون مرتاح الضمير، صافي النية، واثقًا أن الصوت لا يُقاس بدرجته، بل بقيمته، وأنك حين تصمت، فأنت تمنح نفسك مساحة للتأمل، للتمهل، للنجاة من فخاخ الكلمات المرتجلة.

في عالم يصرخ فيه الجميع، يصبح الصمت مهارة، وفي زمن ينطق فيه كل من لا يملك شيئًا ليقوله، يصير الصامت سيد المجلس، حتى إن لم يكن حاضرًا.

فدعوا للصمت مقامه، ولا تظنوا أن من يصمت قد غاب، ربما كان يكتب داخله مرافعة، أو ينحت في روحه جبلاً من الحكمة، أو ببساطة يحتفظ بكرامته.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مواعيد مباريات اليوم.. مان يونايتد ضد بورنموث ونصف نهائي كأس العرب 2025

نائب رئيس الوزراء يشهد التشغيل التجريبى لمحطة هاتشيسون بميناء العين السخنة

العثور على جثتى المخرج روب راينر وزوجته وفتح تحقيق جنائى

الكويت: بدء تصويت الجالية المصرية فى جولة الإعادة بانتخابات النواب

مركز المناخ: أمطار غزيرة على السواحل الشمالية تصل للسيول بشمال سيناء


4 يناير بدء امتحان نصف العام فى المواد غير المضافة و10 للمواد للأساسية

الأهلى يدرس غلق ملف تمديد تعاقد أليو ديانج.. اعرف التفاصيل

الطقس اليوم.. أجواء باردة وأمطار وشبورة والصغرى بالقاهرة 13 درجة

القنوات الناقلة لمباريات كأس أمم أفريقيا 2025 بمشاركة منتخب مصر

مواعيد مباريات الجولة الثانية في كأس عاصمة مصر


تعرف على أرقام جروس مع الزمالك فى ذكرى عودته لخوض الولاية الثانية

موعد مباراة الأهلى وسيراميكا فى الجولة الثانية بكأس عاصمة مصر

موعد مباراة الزمالك ضد حرس الحدود فى كأس عاصمة مصر والقناة الناقلة

مشاهد صادمة لفيضانات إقليم آسفى بالمغرب وارتفاع القتلى إلى 21.. فيديو وصور

مواعيد مباريات اليوم الإثنين 15-12-2025 والقنوات الناقلة

العوضى يحتفل بعيد ميلاده بتوزيع 300 ألف جنيه ويعلق: السنة الجاية مع المدام

تعرف على بدائل يزن النعيمات لتدعيم هجوم الأهلى فى يناير

حالة الطقس اليوم الإثنين 15 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار غزيرة بهذه المناطق

الإدارية العليا تنظر 31 طعنًا على نتائج 19 دائرة ملغاة فى انتخابات النواب.. غدا

وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى