لماذا نحتاج إلى الثقافة (6).. ثورة يونيو.. انتفاضة الهوية وخط دفاع الثقافة

الدكتور هيثم الحاج
الدكتور هيثم الحاج
بقلم الدكتور هيثم الحاج

تبدو ثورة الثلاثين من يونيو شاهدا حيا على أن الشعوب لا تثور فقط من أجل الخبز أو الحرية السياسية وحدها، بل من أجل أرواحها وهويتها الثقافية الأصيلة، فقد كانت يونيو، في جوهرها، انتفاضة ثقافية عميقة، ورفضا قاطعا لأي محاولة لمسخ الهوية المصرية التي طالما تشربت من نيلها وعبقت بتاريخها.

لقد شهدت مصر قبيل يونيو محاولات ممنهجة لتغيير وجهها الثقافي، لإعادة تشكيل الوعي الجمعي بما يتعارض مع طبيعة الشخصية المصرية المتسامحة، المنفتحة، والراسخة في جذورها الحضارية، حيث لم تكن الثقافة وقتها مجرد ترف فكري، بل هي ساحة المعركة الحقيقية، حيث استشعر المصريون الخطر يحدق بأغلى ما يملكون: هويتهم الثقافية، هذه الهوية التي تتجلى في فنهم، أدبهم، لغتهم، آثارهم، عاداتهم وتقاليدهم ومناسباتهم الشعبية، وحتى في طريقة تعاملهم اليومي مع الحياة.

كانت الهوية المصرية، بمكوناتها الفريدة التي تجمع بين عراقة الفراعنة، وعمق المسيحية، وروحانية الإسلام، تواجه تهديدًا واضحا ومباشرا، وهنا، لم يكن الرد سياسيًا فحسب، بل كان شعبيًا ثقافيًا بامتياز، حيث قامت النخب المثقفة بدورها في الاعتراض على أي شكل من أشكال التغيير للهوية المصرية وربما كان اختيارهم لرمز القبقاب المصري مؤشرا واضحا على ذلك الارتباط الوثيق بالثقافة والهوية المصرية، ثم خرجت الملايين في الشوارع لا لتعترض على قرار أو قانون بقدر ما كانت تعبر عن رفضها العميق لمحاولة اغتيال الروح المصرية، فكانت الصرخات المدّوية في الميادين بمثابة أناشيد وطنية ترفض التغييب، وتؤكد على أن مصر عصية على الاحتواء، وأن شعبها لن يقبل أن يرتدي ثوبا لا يناسبه".

لقد أثبتت ثورة يونيو أن الثقافة ليست مجرد إضافة جمالية لحياة الأمم، بل هي عمودها الفقري وحصنها المنيع، وهي الذاكرة الحية التي تحفظ الأجيال من الضياع، وهي الوعاء الذي يحمل قيم المجتمع وتقاليده ومبادئه، حينما تُستهدف الثقافة، تُستهدف الأمة في صميم وجودها، لذلك، كان الدفاع عن الثقافة المصرية في يونيو هو دفاع عن الكيان ذاته، عن الوطن بأسره.

اليوم، وبعد سنوات من تلك الانتفاضة الثقافية، تظل الرسالة واضحة: يجب أن ندعم الثقافة بكل قوة، أن نغذي عقول أبنائنا بالفن الأصيل، بالأدب الهادف، وبالتراث الذي يعمق الانتماء، فهي ليست رفاهية، بل ضرورة وجودية، هي خط الدفاع الأول والأخير ضد أي محاولة لتقويض المجتمع أو تفكيك نسيجه، وبدعمها، نحصن أنفسنا، ونحمي هويتنا، ونضمن مستقبلًا لأجيال تفتخر بانتمائها لوطن عظيم اسمه مصر

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى