سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 4 يونيو 1981..السادات ومناحم بيجين يجتمعان فى شرم الشيخ قبل ثلاثة أيام من تدمير المفاعل النووى العراقى ومصر تؤكد أنها لن تجبر المصريين على التطبيع

وصلت طائرة الرئيس السادات إلى شرم الشيخ صباح 4 يونيو، مثل هذا اليوم، 1981، للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين، حسبما يذكر سعد مرتضى، أول سفير مصرى فى إسرائيل، فى مذكراته «مهمتى فى إسرائيل»، وكانت شرم الشيخ وقتئذ تحت الاحتلال الإسرائيلى، واصطحب السادات معه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية كمال حسن على، وعددا من المعاونين المدنيين والعسكريين ورؤساء تحرير الصحف وأجهزة الإعلام المصرية، ورافق بيجين وزير خارجيته «إسحق شامير»، وعدد من معاونيهما المدنيين والعسكريين، وكان «مرتضى» ضمن الوفد المصرى، ويسجل شهادته عن هذا اللقاء، مشيرا إلى أن «بيجين» اصطحب ضيفه «السادات» فى طائرة حلقت بهما فوق البلدة الصغيرة، حتى تكتمل لدى السادات صورة الإنجازات الإسرائيلية بالمنطقة خلال فترة الاحتلال، وطاف مرافقو الرئيس فى حافلات حول شرم الشيخ يستمعون إلى شرح الإسرائيليين عما أقيم فيها من منشآت سياحية وغيرها، مزودة بأجهزة تكييف الهواء إسرائيلية الصنع.
يكشف «مرتضى»، أنه فى غرفة بفندق «مارينا»، اجتمع كمال حسن على مع شامير، وكان حاضرا مع السفير عصمت رخا مدير إدارة تطبيع العلاقات بوزارة الخارجية، وكان الاجتماع لاستعراض مسيرة التطبيع والصعوبات أمامها، ويؤكد «مرتضي» أن إسرائيل أعادت الحديث فى موضوع عراقيل الحكومة المصرية للمصريين الذين يرغبون فى زيارة إسرائيل، فكرر الجانب المصرى أنه لا يمكن إجبار المصريين على ذلك، وأعربت إسرائيل عن رغبتها فى زيادة المشتريات المصرية، واستفسرت عن إمكانية استيراد البصل وغزل القطن، واعتذرت مصر بأن ليس لديها فائض.
يذكر «مرتضى» أن مصر وافقت على طلب إسرائيل باستمرار البحث عن جثث بعض جنودها، الذين قتلوا فى حرب أكتوبر 1973 فى سيناء، ولم تقبل مصر استمرار استخدام مطارى العوجة ورأس النقب «اللذين أطلقت عليهما إسرائيل «اتيام وعتصيون»، للأغراض المدنية بعد الانسحاب النهائى، وبهدف إحضار السائحين الأجانب والإسرائيليين إلى سيناء.. يؤكد «مرتضى» أنه بالنسبة للقدس، كانت وجهة النظر المصرية أن تبقى مدينة موحدة يخضع شرقها لسيادة عربية تتمثل فى مجلس بلدى نصف أعضائه من العرب والنصف الآخر من الإسرائيليين، ولكن إسرائيل أصرت على أن القدس مدينة موحدة منذ عهد الملك داود، ولا توجد عليها سيادتان، وتضمن إسرائيل الحقوق الدينية للجميع.
تطرق الحديث إلى الوضع فى لبنان، وقال «شامير»: إن سوريا تحتفظ بصواريخها فى «وادى البقاع»، ولها 3600 دبابة فى لبنان فضلا عن آلاف الخبراء السوفيت لتدريب السوريين على الدبابات 62، وقال كمال حسن على: إن الصواريخ السورية لن تبقى فى لبنان إلى الأبد، وحث إسرائيل على ضبط النفس لأن أى صدام سوف يعرقل مسيرة السلام، ونفى «شامير» أن يكون لهم أطماع إقليمية فى لبنان، وشكا من المساعدات العربية من بعض الدول البترولية لسوريا، لأنها تساعد الرئيس حافظ الأسد على المضى فى سياسته، وتحدث الوزيران عن مشكلة المياه، وقال «شامير»: «إن إسرائيل بصراحة تستخدم كل المياه، وعندما ينضم الأردنيون والسوريون واللبنانيون إلى مائدة المفاوضات، يمكن الاتفاق على توزيعها».
يذكر «مرتضى» أنه بينما كان «السادات» يتحدث مع «بيجين» حاول إسرائيليون الوصول لهما عن طريق البحر مستخدمين الزوارق للحديث معهما، ووافق «بيجين» على أن يسمح لعدد منهم بالكلام ولم يعترض «السادات»، وظهر أن بعض سكان المستوطنات الإسرائيلية فى المنطقة يودون السماح لهم بالبقاء بعد الانسحاب الإسرائيلى النهائى من سيناء، مع استعدادهم للخضوع للسيادة وللقوانين المصرية إذا لزم الأمر ولم تلق مطالبهم القبول، ويقول إنه فى خلال الغذاء الذى أقامه «بيجين» تكريما لضيفه، تبادلا كلمات المجاملة أعقبها مؤتمر صحفى، وسئل السادات عن مشكلة لبنان «وكان ذلك قبل سنة من الغزو الإسرائيلى»، فقال إنها مأساة، والمنطقة تعانى من عدم الاستقرار، لذا يجب على كل القوى الأجنبية أن تنسحب من لبنان، ويعود الوضع إلى ما كان عليه، ووافق «بيجين» على ذلك قائلا: إن أساس المتاعب هو «الغزو السورى للبنان»، وحشد الصواريخ فى «زحلة» وقتل المدنيين، وهدد: «سوف نعطى الأسد فرصة، ولكن ليس إلى ما لا نهاية».
انتهت اللقاءات، ويسجل «مرتضى» انطباعاته عما جرى، قائلا: «لم يكن الرئيس السادات سعيدا بنتيجة محادثاته، وكان متجهما على مائدة الغذاء، وأثناء كلمته ردا على «بيجين»، يضيف: «كان تعقيب الصحافة على هذا اللقاء: لماذا تم وفى ذلك الوقت؟ ولماذا فى شرم الشيخ التى هى أرض مصرية تحتلها إسرائيل؟ لم تلق هذه التساؤلات إجابة شافية»، ويذكر «مرتضى»: لم تمض ثلاثة أيام حتى قصفت طائرات إسرائيلية المفاعل النووى العراقى، وكان السؤال: كيف يقدم «بيجين» على هذا العدوان فى 7 يونيو، وهو الذى كان يجتمع مع السادات يوم 4 يونيو؟ وهل صارح «بيجين» الرئيس السادات عما كان ينتوى فعله؟ ويجيب «مرتضى» بأنه يستبعد ذلك، لأن «السادات» لم يكن ليسكت على مثل هذا العدوان أو يقبله من إسرائيل.
Trending Plus