منّه رجب تكتب: جودة المياه والأمن الاجتماعى

منه رجب
منه رجب

يثير قرار فرض غرامات مالية على مروجي الشائعات والمعلومات غير الصحيحة حول جودة المياه، بدعوى تكدير السلم والأمن، جدلا ونقاشا حول العلاقة بين حرية التعبير وضرورة الحفاظ على الأمن الاجتماعي ، يستحق منا وقفة تحليلية متعمقة.

ففى قلب هذا القرار تتداخل مفاهيم أساسية كحرية التعبير، وحق الجمهور في المعرفة، وواجب الدولة فى الحفاظ على الأمن الاجتماعي والصحة العامة.

ولا شك أن القانون يكفل حق النشر والتعبير عن الرأي ، وهو حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي، لكن هذا الحق ككل الحقوق، ليس مطلقا ويجب أن يمارس بمسؤولية، دون استغلاله في بث الفوضى والبلبلة وتقويض الثقة في المؤسسات.
وهذا ما يجعلنا نتفهم جزئيا دوافع المشّرّع فى سعيه لحماية الأمن الاجتماعى، من خلال تجريم نشر الأخبار الكاذبة التي تثير الفزع أو تضر بالمصلحة العامة، وهو ما تستند إليه الأطر القانونية والدستورية التى تنظم حرية التعبير، والتي تسمح بفرض قيود عليها لحماية الأمن العام والمصلحة العليا للمجتمع. 

ومن المعلوم أن قانون العقوبات المتعلق بالنشر يتضمن بالفعل مواد تجرم نشر الأخبار الكاذبة التى من شأنها إثارة الفزع أو الإضرار بالمصلحة العامة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا الحاجة إذا إلى تشديد العقوبة في حالة نشر معلومات مغلوطة تحديدا حول جودة المياه، تحت مظلة "تكديس السلم والأمن".

يكمن جوهر الإجابة في الحساسية البالغة لقضية المياه وأهميتها القصوى لحياة المواطنين واستقرار المجتمع، فالماء ليس مجرد سلعة استهلاكية، بل هو شريان وعصب الحياة وضرورة أساسية للصحة العامة والاقتصاد الوطني. لذا، فإن نشر شائعات كاذبة حول تلوثها أو عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي يمكن أن يؤدي إلى حالة من الهلع والخوف بين الناس، وزعزعة الثقة في المؤسسات المسؤولة عن توفير هذ ه الخدمة الحيوية، وقد يتطور ليصبح عاملا مؤثرا فى الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى على نطاق أوسع.

إن مفهوم "تكديس السلم والأمن" هنا يتجاوز مجرد التحريض المباشر على الفوضى، بل يشمل أيضا التأثيرات السلبية العميقة على الاستقرار النفسي والاجتماعي للمواطنين، وإضعاف شعورهم بالأمان والثقة في أساسيات حياتهم، وهو ما يرتبط بشكل وثيق بمفهوم الأمن الإنساني الشامل الذي يشمل الأمن الصحي والاقتصادي والبيئي.

ومع ذلك، يبرز هنا تساؤل مشروع حول كيفية الموازنة بين حماية الأمن الاجتماعي وضمان حق المواطنين في التعبير عن مخاوفهم وتساؤلاتهم المشروعة حول جودة المياه والحدود الفاصلة بين ذلك،  فهل يعني هذا القرار ضمنيا وضع "مياه الشرب" في مرتبة "المسلمات" التي لا تقبل النقد أو التساؤل ؟ وهل يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن شبكات المياه على اتساعها وتعقيدها، قد تتعرض بالفعل لعوامل نقل أو عوارض أو حوادث قد تؤثر سلبا على جودتها.

من غير المنطقي اعتبار أي نظام بشري مهما بلغت درجة تطوره وكفاءته بمنأى عن أي خلل أو تأثيرات خارجية محتملة، فشبكات المياه واسعة ومعقدة وتمتد لعشرات ومئات الكيلومترات، وقد تواجه تحديات لوجستية أو فنية تؤدي إلى تلوث عرضي أو أعطال مفاجئة.

لذا، فإن حق المواطن في الاستفسار والتعبير عن شكوكه بشكل مسؤول ومنطقي يجب أن يكون مكفولا ومحترما ، بل وينظر إليه كنوع من الرقابة المجتمعية الضرورية التي تساهم فى تعزيز الشفافية وتحسين الأداء العام للمؤسسات المسؤولة.

إن التحدى الحقيقي يكمن فى إيجاد الآلية الدقيقة للتمييز بين النقد البناء والهادف إلى التحسين، وبين الترويج المتعمد للشائعات والأخبار الكاذبة بقصد إثارة الذعر والبلبلة لأغراض غير مشروعة، ومن هنا يبرز الدور الحاسم للقانون في وضع معايير واضحة وموضوعية لتحديد الفعل المجرم، مع ضمان عد م استخدامه كأدا ة لقمع الآراء المشروعة أو تكسير الأقلا م الناصحة التي تسعى للصالح العام.

وفي هذا السياق، تتضح الأهمية القصوى للمطالبة بإنشاء نقابة مهنية خاصة للعاملين في قطاع المياه ومعالجتها من أهل الكفاءة والخبرة العلمية والعملية، حيث يمكن لهذه النقابة أن تلعب دورا حيويا وفعالا يشمل وضع معايير مهنية والمساهمة في التدريب، وإجراء تقييمات مستقلة لجودة المياه، والتواصل المباشر مع الجمهور لتعزيز الثقة والشفافية ، وتقديم توصيات للجهات المعنية لتحسين القطاع، كما سيكون لها دور في حماية المهنيين العاملين في هذا القطاع، ورفع مستوى كفاءته، وضمان تطبيق أعلى معايير الجودة والسلامة، وجود مثل هذا الكيان المهني المستقل يمكن أن يعزز بشكل كبير ثقة الجمهور ويقلل من فرص انتشار الشائعات المغرضة، حيث يصبح هناك مرجع موثوق في تقييم جودة المياه والشفافية فى التعامل مع أى مشكلات قد تطرأ. 

إن تجريم نشر الشائعات حول جودة المياه يجب أن ينظر إليه كإجراء احترازى يهدف إلى حماية الأمن الاجتماعي والصحة العامة، ولكنه في الوقت نفسه يجب ألا يتعارض أو ُيُفسرعلى أنه تقييد لحق المواطنين في التعبير المسؤول عن آرائهم ومخاوفهم المشروعة. 
الحل الأمثل يكمن في تحقيق توازن دقيق بين هذين الأمرين، وتعزيز الشفافية المطلقة في عمل المؤسسات المسؤولة عن قطاع المياه، وتوفير المعلومات الصحيحة والدقيقة للجمهور بشكل استباقي ومستمر من خلال قنوات تواصل فعالة، بالإضافة إلى إطلاق برامج توعية وتثقيف للجمهور حول كيفية التعامل مع المعلومات المتداولة وأهمية التحقق من المصادر، مما يقلل من البيئة الخصبة لنمو الشائعات ويساهم في بناء مجتمع واثق ومستقر.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

شاهد صورة سائق النقل المتسبب فى حادث الطريق الإقليمى ومصرع 19 حالة

محمد صلاح يهرب من عدسات المصورين فى بودروم التركية.. وقناع وقبعة للخصوصية

مجلس الزمالك ينفى التصويت على مصير شيكابالا ويترك الحرية لقائد الفريق

مصرع 3 فتيات وشاب فى انقلاب مركب صغير داخل نهر النيل بالمنيا

حسام حسن يقترب من الانضمام إلى الاتحاد السكندرى بتوصية من سامى


الأهلى يرفض مناقشة أى عروض لرحيل زيزو بعد اهتمام قطبى تركيا بضمه

الأهلى فى مفاوضات متقدمة مع المصرى لشراء أحمد عيد

تحذير عاجل من هيئة الأرصاد الجوية لسكان هذه المحافظات

مفيدة شيحة تحتفل بزواج ابنتها منة الله عماد وسط حضور كثيف.. فيديو وصور

7 معلومات كشفتها النيابة العامة بتحقيقات حادث الإقليمي بالمنوفية.. إنفوجراف


حبس المتهمين بالتنمر على شاب والتسبب في وفاته بالغربية 4 أيام

ورطة "نتنياهو".. إسرائيل تئن بسبب فاتورة الحروب الباهظة.. 78مليار دولار خلال 20 شهرًا في حروب غزة ولبنان.. مليار دولار خسائر يومية لحرب إيران.. و 40 ألف طلب تعويض أمام الحكومة الإسرائيلية من مصانع وشركات متضررة

حقائق لا تفوتك قبل موقعة بنفيكا ضد تشيلسي فى كأس العالم للأندية

فيلم ريستارت يحتل المركز الـ 11 ضمن قائمة الأفلام الأكثر تحقيقًا للإيرادات

الطقس غدا.. ارتفاع بدرجات الحرارة واضطراب بالملاحة والعظمى بالقاهرة 37 درجة

كل ما تريد معرفته عن تطورات ميركاتو الزمالك والمدير الفنى الجديد

كلوب: كأس العالم للأندية أسوأ فكرة فى تاريخ كرة القدم

قصر العينى يعدل مواعيد عمل العيادات الخارجية لـ5 مساء بدلا من الثانية ظهرا

موعد انطلاق الدوري المصري موسم 2025 - 2026

الزمالك يقطع الطريق على الأهلي فى صفقة أسامة فيصل.. اعرف التفاصيل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى