عرفات مؤتمر عالمى للقلوب.. درس فى التسامح والوحدة والتنوع

اليوم يقف ملايين الحجاج على جبل عرفات، من كل أركان وقارات الدنيا، بلاد وثقافات ولغات مختلفة، رجال ونساء أغنياء وفقراء متعلمون وأميون، ألوان وأشكال والسنة متنوعة فى تجربة إيمانية للوحدة والتسامح والاجتماع على شعور عام بالتوحد، أفراد كل منهم يحلم بالمغفرة، ويطمح إلى الصفاء، تجربة مجانية فى الوحدة بين متنوعين، بل إن منهم من لا يتحدث العربية فى الأساس، ومع هذا فهو يشعر بنفس مشاعر الملايين من أركان الدنيا، ولا أبالغ إذا قلت إن فكرة الحج بالرغم من أنها تخص المسلمين لكنها رسالة عالمية تحمل الكثير من معانى التضامن وعدم الانشغال بالدنيا، وفيما يتعلق بالمسلمين فإن كانوا قادرين على أن يجتمعوا معا كل عام، يمكنهم أن يتجمعوا على أهداف واحدة وسلام واحد، لكونهم يتجمعون فى مؤتمر عالمى للقلوب تتساقط فيه الحواجز بين النحل والمذاهب، لا سنة او شيعة ولا غيرها من أنواع المذاهب التى أنتجتها السياسة ولا علاقة لها بالدين.
الحج رسالة عالمية فى التسامح، وترك التنابذ والخلافات، وهى رسالة يحتاجها العرب والمسلمون الآن، لينتصروا على صراعات واختلافات غير حقيقية، خاصة أن الحج يسقط الكثير من الفوارق بين الأغنياء والفقراء أو بين العرب والعجم، بل وربما تكون هذه الرسائل أكثر طلبا الآن للعالم كله الذى يحتاج إلى التسامح والحوار والسلام، حتى لو كانت هناك مصالح متعارضة، فهى مصالح يمكن موازنتها، بعيدا عن صراعات مفتعلة، تظهر من لجان ومن أجهزة، وليست من أصل الإيمان الذى هو أعلى من العقيدة.
ربما يكون توحد قلوب الحجاج على جبل عرفات وجبل الرحمة، مع دعاء واحد ونداء واحد وصلوات واحدة، هو تأكيد لوحدة البشر وليس فقط المسلمين، حيث إن الحج شرعه إبراهيم أبو الأنبياء، وكلها رسائل للبشر وليس فقط للمسلمين، رسالة فى الوحدة بالرغم من اختلاف التصورات والآراء والأمزجة، والمذاهب لا استبعاد ولا ابتعاد وإنما اندماج عميق بين قلوب تهفو إلى قلب العالم وروحه.
أهم دروس الحج أن الناس متساوون كأسنان المشط وأنهم جميعا يلجأون إلى الله بلا وسيط، لا فضل لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود، ولا لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، وحتى مع محاولات بعض المدعين صنع فروق والترويج لفوارق، فإن الملابس البسيطة هى صوة عميقة عن التوحد والمساواة، يقف الناس كما ولدتهم أمهاتهم، فى براءة تخفيها صراعات الحياة و الطمع والتعصب.
الحج هو الدرس الذى يحتاجه المسلمون بكل مذاهبهم وطوائفهم، وهم بحاجة لأن يتعلموا الدرس، أن الدنيا تتسع للجميع، وأن التقوى فى التسامح والاستيعاب، وأن السعادة لا تتوفر بأن يكون هناك متخمون وإخوتهم فى الإنسانية جائعون، درس عرفات فى الوحدة والتعايش بالرغم من الاختلافات، وأن التنوع والاختلافات بين البشر لا تعنى العداء بين أنصار العقيدة الواحدة، أو مع أصحاب العقائد الأخرى.
الحج رسالة إبراهيم وأبنائه إلى العالم، بكل ما فيه من عقائد وأديان، يطوف الحجاج ويسعون ويقفون على عرفات ليذكروا الله، على جبل يقال أنه نزل عليه آدم وحواء، دعوة إبراهيم هى التى تحمل رسالة التوحيد والآيات التى ترسم وحدة البشر وتنوعهم إلى أمم وقبائل وآراء ومذاهب وأديان للتعارف والتآلف، وإذا كانت رسالة للمسلمين والعرب أن يتجمعوا وينسوا خلافاتهم، وينتصروا على محاولات الوقيعة وصناعة الصراعات الصغيرة، ودرس للعالم أن تتوقف الحروب، وينتهى عدوان الاحتلال على أطفال غزة.

Trending Plus