لبيك اللهم لبيك.. أكثر من 78 ألف حاج مصرى على عرفات وسط خدمات غير مسبوقة.. البعثة المصرية تُسهل أداء الركن الأعظم للحجاج.. وتنظيم دقيق ومخيمات مكيّفة ودعم طبى مستمر ورعاية شاملة على صعيد الرحمة

في مشهد إيماني مهيب، توافد اليوم أكثر من 78 ألف حاج مصري إلى صعيد عرفات الطاهر لأداء الركن الأعظم من مناسك الحج، وسط منظومة متكاملة من التيسيرات والخدمات التي وفرتها بعثة الحج المصرية الرسمية، في مشاعر يسودها الخشوع والسكينة، وبمشاركة آلاف الحجاج من مختلف أنحاء العالم الذين اجتمعوا على صعيد واحد في واحد من أعظم أيام العام.

وتحركت قوافل الحجاج المصريين نحو عرفات، تحت إشراف مباشر من قيادات بعثة الحج المصرية، التي كثفت جهودها لضمان انتقال آمن ومنظم، وتوفير سبل الراحة لضيوف الرحمن خلال تنقلاتهم وأدائهم للمناسك.

وقد أكد مساعد وزير الداخلية للشئون الادارية رئيس بعثة الحج المصرية، أن كافة الترتيبات الميدانية اكتملت قبل انطلاق تصعيد الحجاج إلى عرفات، مشيرًا إلى أن البعثة حرصت على تجهيز المخيمات المخصصة للحجاج المصريين بما يتناسب مع طبيعة اليوم الروحانية والاحتياجات العملية.
وأوضح أن المخيمات المصرية في عرفات تمركزت في مواقع قريبة من مسجد نمرة، ما يتيح للحجاج أداء صلاة الظهر والعصر جمعًا وقصرًا خلف الإمام، والاستماع إلى خطبة عرفة، دون الحاجة إلى قطع مسافات طويلة.
وقد زُودت هذه المخيمات بأجهزة تكييف ومراوح قوية للتغلب على ارتفاع درجات الحرارة، كما تم توفير أماكن مريحة للجلوس، ومياه باردة، ووجبات غذائية متوازنة.

كما أشار رئيس البعثة إلى أن الاهتمام بكبار السن وذوي الهمم كان على رأس أولويات الخطة التنظيمية، حيث تم توفير كراسي متحركة ووسائل تنقل خاصة، إلى جانب فرق دعم ميداني مخصصة لمرافقة هذه الفئات ومساعدتها على أداء المناسك دون مشقة.
وأضاف أن الفرق الطبية المصرية متواجدة على مدار الساعة داخل عرفات، من خلال عيادات مجهزة بأحدث المستلزمات، للتعامل السريع مع أي حالات طارئة.

وفي إطار ضمان الانسيابية والتنظيم، أنشأت البعثة غرفة عمليات مركزية في عرفات لمتابعة تحركات الحجاج المصريين، وهي على تواصل دائم مع رؤساء اللجان الميدانية، مما أتاح سرعة التعامل مع أي تحديات أو بلاغات من الحجاج.
كما وُزعت أرقام تواصل ساخنة على الحجاج للتبليغ عن أي مشكلات صحية أو إدارية، وهو ما يساعد في حل العديد من المواقف بشكل لحظي.

وفي حديثه للحجاج، شدد رئيس البعثة على أهمية استغلال هذا اليوم العظيم بالإكثار من الدعاء والاستغفار، وطلب الرحمة والمغفرة، مشيرًا إلى أن عرفات هو يوم لا يتكرر إلا مرة واحدة في العمر بالنسبة لكثير من المسلمين، وأن لحظاته لا تُقدّر بثمن. ودعا الحجاج إلى التركيز على العبادة، وتجنب الجدال، والتعاون فيما بينهم، والالتزام بتعليمات البعثة حفاظًا على سلامتهم.

وفي نهاية اليوم، تستعد البعثة لتنسيق انتقال الحجاج إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، في إطار خطة زمنية مدروسة لتجنب التزاحم، مع التأكيد على توزيع الوجبات والمياه للحفاظ على سلامة الحجاج خلال رحلتهم إلى المشعر الجديد، حيث يبيتون ليلة التاسع من ذي الحجة قبل أن يتوجهوا إلى منى لرمي جمرة العقبة وذبح الهدي.

ووجه الشيخ شريف إبراهيم، رئيس البعثة الدينية الرسمية للحج، رسائل إرشادية ونصائح روحية لضيوف الرحمن، حثهم فيها على اغتنام هذا اليوم العظيم بكل ما يحمل من فرص للغفران والتقرب من الله، مؤكدًا أن الوقوف بعرفة ليس مجرد تواجد جسدي في مكان محدد، بل هو وقفة قلب وخشوع وصفاء روح أمام الله عز وجل.

وأوضح الشيخ شريف في تصريحات لليوم السابع أن يوم عرفة يحمل من الفضل والمكانة ما لا يُقارن بأي يوم آخر، فهو اليوم الذي يُباهي الله فيه ملائكته بعباده الواقفين في أرض عرفات، ويبسط فيه رحمته ويغفر فيه الذنوب ويُقال فيه العثار، داعيًا الحجاج إلى التفرغ التام لهذا اليوم وترك كل ما يشغل القلب والعقل عن الغاية العظمى، وهي الدعاء والذكر والتضرع إلى الله.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الحج بأنه "عرفة"، في إشارة صريحة إلى مركزية هذا اليوم في إتمام الفريضة، وقال إن على كل حاج أن يستحضر تلك المعاني العظيمة حين تطأ قدماه أرض عرفات، حيث تصفو القلوب وتُغسل الذنوب وتُرفع الأكف برجاء لا يُرد.

ووجه رئيس البعثة الدينية الحجاج إلى ضرورة تنظيم الوقت خلال هذا اليوم، وأن يبدأوا من لحظة الوصول إلى عرفة في الاستعداد النفسي والروحي للدعاء والذكر، مستشهدًا بما ورد عن السلف الصالح من اجتهادهم في هذا اليوم، إذ كانوا لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء من شدة خشوعهم، ولا يضيعون دقيقة دون دعاء أو استغفار.

كما شدد على أهمية أن يُكثر الحاج من التلبية والتهليل وقراءة القرآن، وأن يُوجه دعاءه لنفسه ولأهله ولوطنه وللأمة الإسلامية كلها، فالدعاء في هذا اليوم مستجاب بإذن الله، ويُرجى فيه القبول أكثر من أي وقت آخر.

ودعا الشيخ شريف الحجاج إلى أن يراعوا آداب المكان والزمان، وأن يتحلوا بالصبر والهدوء، وألا يلتفتوا لأي أمر قد يُشتت انتباههم أو يُدخلهم في جدال أو خلاف مع الآخرين، خاصة أن من تمام النسك أن يكون الحاج في طمأنينة وأدب، وهو ما أوصى به النبي حين قال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
وأضاف أن البعثة الدينية تُنظم برامج وعظية في مخيمات الحجاج تتناول فضائل يوم عرفة، وتوضح الطريقة المثلى للاستفادة من هذه الساعات المعدودة، كما يتم توزيع مطويات توعوية ومواد مرئية تبين الأدعية المأثورة وآداب الوقوف بعرفة، إلى جانب وجود مشايخ وعلماء متواجدين للإجابة عن أسئلة الحجاج على مدار اليوم.

ونبّه الشيخ شريف إلى ضرورة الحفاظ على الصحة الجسدية خلال هذا اليوم، إذ إن التزاحم والإجهاد قد يُفقد الحاج القدرة على التركيز والعبادة، داعيًا إلى البقاء في الأماكن المخصصة والحرص على شرب الماء والراحة عند الحاجة، حتى يتسنى لكل حاج أن يُكمل هذا اليوم في أحسن حال.
كما شكر السلطات السعودية على ما وفرته من تجهيزات وخدمات طبية وأمنية وتنظيمية، سهلت للحجاج أداء مناسكهم في يسر وأمان.

وختم الشيخ شريف إبراهيم كلماته برسالة وجدانية إلى الحجاج، قال فيها إن يوم عرفة هو فرصة العمر التي قد لا تتكرر، وأن المسلم لا يدري إن كان سيُكتب له حج آخر أم لا، داعيًا الجميع إلى أن يجعلوا من هذا اليوم بداية جديدة لحياتهم، صفحة بيضاء تُكتب بالدعاء وتُختم بالقبول، وأن يخرجوا من عرفات بقلوب خاشعة وأرواح مُقبلة على الله، يحملون فى أعينهم دمعة رجاء وفي صدورهم يقينًا بالغفران.