يوم عرفة.. حين تصعد الأرواح بالدعاء

محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي

في تقويم الروح، لا يوم يعلو قدره ولا زمن يفوق بركته كيوم عرفة، هو يومٌ تقف فيه القلوب قبل الأجساد، وتنحني فيه الأرواح بخشوع يتجاوز حدود المكان والزمان، وكأن السماء تُفتح على مصراعيها، تستقبل الدموع الراجية، والأنين المتهدّج، والكلمات التي لا تُقال إلا حين يكون الحديث لله وحده.


يوم عرفة ليس فقط محطة زمنية، بل هو عتبة نور تعبرها النفوس لتغتسل من أدرانها، على صعيد عرفات، تمتد أيادي الحجيج نحو السماء، لا تحمل شيئًا سوى رجاء صادق، بأن يُكتب لهم الستر ما عاشوا، والصحة ما تنفسوا، وراحة البال كلما أرهقهم العناء.

في هذا اليوم، يصبح الهواء ثقيلاً بالدعاء، مشبعًا بأمنيات الضعفاء، وأحلام العابرين في طريقهم إلى الله، لا يُطلب فيه جاه، ولا يُسأل فيه عن مال، بل ترتفع الأصوات بنداءات لا تتبدل: "اللهم استرنا"، "اللهم اشفِنا"، "اللهم لا تجعل قلوبنا موحشة مهما ازدحمت حولنا الوجوه".

عرفات، ذلك الوادي الطاهر، يتحوّل إلى مسرح للدعاء، ومحراب للبكاء، ومحرقة لكل ذنب حمله الإنسان في غفلاته، هناك، تقف النساء بعيونٍ دامعة يرفرف فيها الرجاء، أن يُكتب لأبنائهن أمان الحياة، ولأزواجهن سعة الرزق، ولنفوسهن طمأنينة لا تنكسر.

وهناك، يُناجي الرجال ربهم بأن يُبدل التعب سكينة، والضيق فرجًا، وأن تُمحى الذنوب كما يُمحي المطر آثار الغبار عن وجوه المدينة.

وكل حاج يركن إلى ظل خيمته أو يستند إلى صخرة في عرفات، يحمل داخله أمتعة لا يراها أحد: ذكريات، وذنوب، وخيبات، وآمال مؤجلة، وعزائم على بداية جديدة لا تعرف رجوعًا.

أما من لم تطأ أقدامه الأرض المقدسة، فقد جعل الله له من هذا اليوم نصيبًا، من قلب بيته، أو على سجادته، أو في زحام المدينة، يرفع يديه بدعاء يتسلل عبر الغيب، كأن صوته يُلامس أطراف عرفات وإن لم يكن هناك، الدعاء لا يعرف المسافات، والنية الطيبة تُختصر بها الطرق.

وفي كل هذا الزخم الروحي، تبقى دعوة "راحة البال" هي الأكثر تكرارًا، وكأن الناس فهموا أخيرًا أن الطمأنينة هي الثراء الحقيقي، وأن هدوء الداخل أهم من صخب الخارج، أن تُحاط بستر الله في زمن العري الأخلاقي، وأن تُرزق عافية لا يرافقها ألم، وسلام لا تُلوثه الأخبار، هو أعظم ما يُرجى.

يوم عرفة.. هو اليوم الذي لا يشبهه يوم، يوم تُغسل فيه الأرواح بماء التوبة، وتُروى فيه النفوس بدعاء خالص، وتُحمل فيه القلوب على أجنحة الأمل، علّها تعود إلى الحياة أخفّ، وأنقى، وأقرب إلى الله.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الاحتلال الإسرائيلى يُجبر 3 عائلات مقدسية على إخلاء منازلهم فى القدس

مواجهة مونديالية بين السعودية والأردن في نصف نهائي كأس العرب 2025

موعد مباراة الزمالك ضد حرس الحدود فى كأس عاصمة مصر والقناة الناقلة

الشرطة الأسترالية: منفذا هجوم شاطئ بوندى أب ونجله ويبلغان 50 و24 عاما

مواعيد مباريات اليوم الإثنين 15-12-2025 والقنوات الناقلة


كأس العرب 2025.. موعد مباراة المغرب والإمارات والقنوات الناقلة

تعرف على بدائل يزن النعيمات لتدعيم هجوم الأهلى فى يناير

الاقتراع بجولة الإعادة من المرحلة الثانية لانتخابات النواب بالخارج.. اليوم

محاميه طلب البراءة.. الجنايات تكشف سبب عقوبة المعتدى على الطفل ياسين؟

أمير عزمى مجاهد يهاجم إدارة الزمالك وجون إدوارد


الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاعتداء على سائق توك توك بالقليوبية

وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال

بدء مؤتمر الهيئة الوطنية لإطلاع الرأي العام على أحداث أول أيام إعادة المرحلة الثانية بانتخابات النواب

عمر متولى ينعى والدته ويطالب الجمهور بالدعاء لها

تعرف على مصير أحمد الأحمد البطل الأسترالي مُنقذ ضحايا هجوم سيدني

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني

أمن الإسماعيلية يحبط محاولة خطف طفلة من إحدى القرى السياحية

تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار

الأرصاد تحذر: تكاثر السحب الممطرة وأجواء باردة على الوجه البحرى وشمال سيناء

فيفا يخطر اتحاد الكرة باختيار أمين عمر سفيراً فى معسكر حكام كأس العالم 2026

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى