حكاية توماس مان حاصد نوبل.. صوت العقل والروايات الشهيرة

فى مثل هذا اليوم 6 يونيو من عام 1875، ولد واحد من أعظم من أنجبتهم ألمانيا للقرن العشرين الكاتب والأديب توماس مان، الذى كتب بعمق الفلاسفة، وهاجم بجرأة السياسيين، حتى صار صوتًا للضمير الإنسانى.
ولد مان فى مدينة لوبيك الساحلية، المطلة على بحر البلطيق، لعائلة أرستقراطية مرموقة، والده كان من كبار تجار الغلال وعمدة للمدينة مرتين، وعضواً بمجلس الشيوخ، أما والدته، فكانت من أصول برازيلية، تنتمى إلى عائلة من أصحاب المزارع الكبرى، ورغم هذا الثراء والانضباط العائلى، لم يجد مان نفسه يومًا في قاعات الدرس، كره المدرسة، ولم يحصل حتى على شهادة الثانوية.
لكن ما عجز عنه النظام التعليمي، عوضته الطبيعة المتمردة داخله، فجر توماس مان عبقريته في الكتابة، ونسج روايات تتغلغل إلى عمق النفس الإنسانية، وتحلل المجتمعات.
وحين نشر روايته الأولى "بودنبروك"، التي جسدت صعود وانهيار عائلة برجوازية، فاجأ الجميع بقدرته على تحويل السيرة الذاتية إلى مادة روائية تتسم بالدهشة والخلود، هذه الرواية وحدها كانت كافية ليمنحه العالم جائزة نوبل في الأدب عام 1929.
لكن توماس مان لم يكن مجرد أديب، بل كان مثقفًا مقاومًا، في بدايات القرن العشرين، انجذب بحذر إلى النزعات القومية الراديكالية، لكنه سرعان ما تراجع عنها مع صعود النازية إلى سدة الحكم، وأدرك مبكرًا الخطر الداهم الذى يشكله أدولف هتلر على أوروبا والديمقراطية والحرية، لم يصمت، وهاجم بشراسة، حتى دفع الثمن غاليًا، نفي إلى سويسرا عام 1933، ثم سحبت منه الجنسية الألمانية عام 1936.
خلال منفاه، واصل مان الكتابة والمقاومة، فعاش خمس سنوات في سويسرا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة حيث حصل لاحقًا على الجنسية الأمريكية، لكنه لم يسلم هناك أيضًا، فميوله اليسارية ودعمه لبعض أفكار الشيوعية جعلته هدفًا للمخابرات الفيدرالية الأمريكية التي تجسست عليه لأكثر من عشرين عامًا، كما كشفت الوثائق لاحقًا.
ورغم كل ذلك، لم يكف قلمه عن العمل، وظل صوته نقيًا يفضح الظلم، ويوقظ الضمائر.
من أبرز أعماله التي ما تزال تدرس حتى اليوم "موت في البندقية"، وهي رواية فلسفية غارقة في الرمزية، حولها المخرج الإيطالي لوتشانو فيسكونتي إلى فيلم شهير عام 1971، لا يقل عن الرواية سحرًا وتأثيرًا.
عاد توماس مان إلى أوروبا فى مطلع الخمسينيات، واستقر فى سويسرا، لكنه لم يقطع علاقته ببلده الأم، ألمانيا، التى وإن خذلته في وقت، عادت لاحقًا لتكرمه كأحد كبار كتابها.
في 12 أغسطس عام 1955 أسدل الستار على حياة امتدت ثمانين عامًا، لكن إرثه لم يمت، وظل صوته، شاهدًا على عصر عاصف، وشعلة ثقافية لا تنطفئ.
Trending Plus