في حضرة النحر

محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي
بقلم محمود عبد الراضي

ما إن يغسل العيد جبينه بماء النحر، وتغسل القلوب أوزارها بالتكبير، حتى تبدأ أيام التشريق في نشر ضفائرها البيضاء على دروب المسلمين، كأنها ضوءٌ يتسلل من بين تكبيرات السماء، ليعيد تشكيل الحياة على هيئة فرح ورضا وتكافل لا يشبهه شيء.

أيامٌ ثلاثة تشرق لا بشمس واحدة، بل بشموس تتوزع في بيوت الناس، شموس من ضحك الأطفال، وأطباق عامرة، وقلوب تطوف حول معاني الرحمة كما تطوف الحجيج حول البيت العتيق.

هنا، لا تكون الأضاحي مجرد شعيرة تُؤدى، بل حكاية من لحمٍ ودمٍ تروي قصة التضحية، وتُترجم النصوص إلى أفعال، وتُفكك المعاني من الكتب لتعيش في الشوارع والبيوت.
كل خروف يُذبح لا يسقط صامتًا، بل يتحدث بلغةٍ لا يفهمها إلا من ذاق حلاوة العطاء، حيث تتحول السكاكين من أداة للفصل إلى جسر يوصل بين الغني والفقير، بين اليد الممتدة بالعطاء وتلك الممتدة بالحاجة.

وفي كل حيّ، تبدأ اللحوم رحلتها، لا من يد الجزار إلى المائدة فقط، بل من قلب إلى قلب، ترى الأكياس الحمراء تمشي على الأكتاف كأنها رسائل حب ممهورة بعطر المواسم.
هناك من يعطي لا لأنه يملك، بل لأنه يشعر، وهناك من يأخذ ولا يخجل، لأن العيد لا يعرف المذلة، بل يعرف الكرامة في الثوب الأبيض والطعام الساخن.

تتناثر مشاهد الفرح كحبات الرز في وليمة الكرم. الأطفال يقفزون أمام البيوت، يطاردون العيد في ضحكة، أو في حذاء جديد، أو حتى في قطعة شوكولاتة تُمدّ إليهم من جار كريم، النساء يتبادلن الأطباق، والرجال يتبادلون الدعوات، والقلوب تتبادل السلام.

في هذه الأيام، يصبح التهادي عبادة، والتكافل لغة لا تحتاج ترجمة.،كل بيتٍ يتحول إلى خلية نحل، لا تعرف الكلل، تطهو وتغلف وتوزع، كأنها تشارك في حفل كبير أقامه الله للناس جميعًا، لا يُمنع فيه أحد، ولا يُقصى فيه جائع.

ويبدو العيد في مصر وكأنه قد استعان بكل الألوان ليرسم فرحته، من الأحمر القاني في اللحم، إلى الأبيض في الجلابيب، إلى الأخضر في الحدائق، وحتى الأزرق في عيون السماء التي تراقب كل شيء وتبتسم.

في زمنٍ يضيق فيه الفرح أحيانًا، تأتي أيام التشريق كفسحة ربانية، تُفتح فيها أبواب العطاء كما تُفتح أبواب السماء، هي أيامٌ لا تكتفي بإشباع البطون، بل تطمئن فيها الأرواح أن الخير ما زال هنا، يتجول بيننا على هيئة وجبة، أو ضحكة، أو دعوة خالصة في جوف الليل.

هكذا يكون العيد.. لا مجرد طقس موسمي، بل درس مفتوح في الإنسانية، تكتبه لحوم الأضاحي بالحبر الأحمر، وتقرؤه الأعين الدامعة فرحًا، على مائدة لا تعرف الجوع، ولا تعرف الحقد، بل تعرف الله فقط.

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

كايسيدو يتوج بجائزة أفضل لاعب فى مواجهة بنفيكا ضد تشيلسى

باريس سان جيرمان وإنتر ميامي فى مواجهة نارية بمونديال الأندية

شركة فوسفات مصر الحكومية بالوادى الجديد تستكمل جهودها للحصول على شهادة الأيزو ISO/IEC 17025 بمجال تحاليل الخام و المياه.. تجهيز المعامل بأحدث المعايير وتنفيذ أكبر مجمع لإنتاج الأسمدة بالشرق الأوسط.. صور

سيدة تتهم والدة مطلقها بطردها من مسكن الحضانة وتطالبها بنفقة أقارب

شيرين تحيي حفلها بمهرجان موازين وسط حضور كبير.. صور


القومى لحقوق الإنسان يستعد لانتخابات 2025 بنشر ثقافة المشاركة السياسية

قبة الحرارة.. إعصار يواجه أوروبا ويسبب موجة حر شديدة.. يونيو يحطم الأرقام القياسية.. الفوضى تعم باريس ومصرع شخصين وانقطاع الكهرباء.. وفاة شخص بسبب ارتفاع الحرارة بإسبانيا.. تأهب فى اليونان وقبرص خوفا من الحرائق

استئناف مباراة بنفيكا ضد تشيلسي بعد توقفها أكثر من ساعة ونصف

160 مليار جنيه لدعم السلع التموينية والخبز في موازنة 2025/2026

مواهب باليه الأوبرا تجسد قصة جيزيل على المسرح الكبير.. اليوم الأحد


زى النهارده.. جوزيه يقود الأهلى للتعادل مع الزمالك 2-2 فى آخر ظهور بالقمة

محمد فضل شاكر يغنى لوالده ويدعو له بالفرج فى حفله بمهرجان موازين

جدو: ننتظر قرار المحكمة الرياضية بشأن الدورى.. وكنا نحلم بالتتويج بأفريقيا

شاهد صورة سائق النقل المتسبب فى حادث الطريق الإقليمى ومصرع 19 حالة

محمد صلاح يهرب من عدسات المصورين فى بودروم التركية.. وقناع وقبعة للخصوصية

مجلس الزمالك ينفى التصويت على مصير شيكابالا ويترك الحرية لقائد الفريق

دماء الأخوة على مذبح الطمع.. المؤبد لمتهم بقتل شقيقه فى فارسكور بسبب الميراث

استشهاد لبناني في غارة إسرائيلية على قضاء صور

حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز تكلفته أكثر من 20 مليون دولار وخاتم الزواج 10 ملايين دولار.. فستان الزفاف بتوقيع دولتشي آند جابانا.. والعروس تغير اسمها على إنستجرام وتحذف منشوراتها القديمة

كل ما تريد معرفته عن أسد الحملاوي المُرشح لخلافة وسام أبو علي في الأهلي

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى