لا تعليق

من أسوأ الأحاسيس التي تعتري الإنسان، إحساسه بأنه محل نقد واستياء من الآخرين، لاسيما لو كان هناك مَنْ يستمتع بفكرة السخرية والاستهجان، والتقليل من كل فعل يأتي به الغير، فهذا يخلق حالة من التذمر بداخل الطرف الآخر، ويستدعي بداخله الرغبة القوية في الرد، وهنا يكون الرد مُستهدفًا رد الاعتبار، وحماية الكيان من مُحاولة زلزلته بكلمات لاذعة تقهر النفس، وتهز الثقة بها، لاسيما لو كان النقد أمام الغير، فهنا يتحول الأمر إلى محاولة للثأر للكرامه.
فللأسف هناك اشخاص لديها القدرة على التقليل من شأن الغير والنيل منه، لاسيما في وجود الآخرين، ويتناسون أن النصيحة على الملأ فضيحة، خاصة وأن هناك أشخاص ليس لديهم القدرة على الرد في الحال، لافتقارهم لسرعة البديهة التي تؤهل صاحبها إلى كبح جماح غيره، وحفظ ماء وجهه، فهنا يكون هذا الأمر بمثابة تحطيم لكيان هذا الشخص واستغلال لعجزه عن الرد.
وما أصعب أن نلتقي بأشخاص يُسفهون من حواراتنا، وآرائنا وأفكارنا، وهؤلاء لابد من استخدام أسلوب أفلاطون في الرد على نقد أرسطو، حيث أنه في أحد المُناظرات التي جمعتهما في أحد الأيام، وقد كانا الاثنان من كبار فلاسفة اليونان، فدار بينهما الحوال التالي، فقد قال أرسطو: "كل ما يقوله أفلاطون خطأ"، فرد عليه أفلاطون، قائلاً: "ما قاله سقراط صحيح".
في الحقيقة، إن أفضل رد يُمكن أن يُجيب به أي شخص يتعرض للنقد اللاذع الذي يستهدف النيل بالكامل منه، والحطّ من مكانته، هو أن يُؤيد ناقده بأسلوب ينطوي على السخرية والتهكم، لأن مُناقشة مَنْ يرغب في التسفيه والتقليل غير مُجدية على الإطلاق.
وأكبر خطأ يرتكبه الشخص الذي يتعرض للنقد الظالم، لاسيما لو كان نقدًا غير موضوعيًا، هو أن يُدْخل نفسه في حوارات ونقاشات لا طائل منها، خاصة لو كان الطرف الآخر قد بنى رأيًا مُسبقًا، وليس لديه أي استعداد للاستماع إلى وجهة النظر الأخرى، ولا يتمتع بأي قدر من المُرونة الفكرية التي تجعله يتنازل ويتراجع عن رأيه.
فهذه النوعية من الأشخاص لابد من عدم الدخول معهم في أي جدل، لأنه يكون نوعًا من الاستهلاك للطاقة دون جدوى، وعليه فعدم التعليق أو التظاهر بالتجاهل، يكون أكثر توافقًا وأفضل رد على هذه النوعية من الأشخاص الذين يعترضون على كل شيء، وينتقدون كل ما يُقال أمامهم، فهذه هي تركيبتهم النفسية التي يعجزون عن تغييرها، فكيف يتسنى لمَنْ يُناقشهم أن يُغيرهم، حتى لو كان يملك حفنة لا بأس بها من الردود والحُجج المنطقية.
وأخيرًا، لن يُجهدنا عدم تعليقنا على الآراء غير المُجدية والتي لا سبيل إلى تغييرها بأي وسيلة من الوسائل.

Trending Plus