مصر... العقل المدبّر للشرق وصمام أمانه التاريخى

محمد أيمن
محمد أيمن
بقلم محمد أيمن

حين تهتز أركان الإقليم وتعم الفوضى في محيطه، لا تلبث البوصلة أن تشير إلى مصر. هي حجر الزاوية الذي يعيد ضبط الموازين كلّما اختلّت. وهذا ليس حديثًا إنشائيًا، بل مسار تاريخي يتكرّر بانتظام، يحمل بصمات مصرية خالصة، خاصة في شهور مصيرية كيونيو، الذي كثيرًا ما ارتبط بمنعطفات حاسمة في تاريخ الأمة.

منذ القدم، لم تكن مصر مجرد كيان جغرافي يحتل موقعًا مهمًا بين القارات، بل كانت دائمًا مركزًا حضاريًا نابضًا بالتاريخ والقوة. جذور الدولة المصرية أعمق من أن تُختصر في حدود زمنية، فهي صاحبة رسالة حضارية ومشروع وطني متماسك، استطاع على مر العصور أن يدمج بين قوة السلاح وبراعة العقل، وأن يقدّم نموذجًا للدولة الجامعة التي تصمد أمام الطامعين.

وحين اجتاحت جيوش المغول الممالك الإسلامية من قلب آسيا، لم يتوقف زحفهم إلا عند عين جالوت، حيث وقف الجيش المصري بقيادة قطز والظاهر بيبرس، في معركة لم تكن فقط دفاعًا عن أرض، بل عن روح الحضارة بأكملها. لقد مثلت مصر وقتها الدرع الأخير للهوية والإنسانية، ومارست دورها التاريخي كقوة حضارية حامية، لا تسعى للهيمنة بل للحفاظ على الاتزان.

هذا الدور تكرّر في معارك لاحقة، أبرزها نزيب عام 1839، عندما هزم إبراهيم باشا الجيش العثماني، مهددًا هيبة الباب العالي ومثيرًا قلق القوى الأوروبية التي سارعت لفرملة المشروع المصري الصاعد. لم يكن الخوف من شخص محمد علي، بل من احتمالية صعود دولة مركزية قوية، تعيد تشكيل الإقليم بقيادة مستقلة من القاهرة.

وعلى هذا النهج، ظلّت مصر تلعب دورها المحوري، لكن بأدوات تتطوّر مع الزمن. فاليوم، تواجه الدولة المصرية بيئة إقليمية معقّدة، تغزوها الميليشيات والجماعات العابرة للهوية، في لحظة يترنح فيها مفهوم الدولة الوطنية. وهنا تبرز القاهرة بثباتها، متمسكة بمفهوم "المركزية السيادية"، الذي يرفض تفكيك الدول ويؤمن بأن الاستقرار لا يتحقق إلا بجيوش وطنية موحدة وهياكل مؤسسية راسخة.

من ليبيا إلى السودان، ومن فلسطين إلى اليمن، حتى في الصومال، تتحرك مصر وفق عقيدة "الردع البنّاء"، التي توظّف الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لصالح الاستقرار، دون السقوط في فخ المغامرات. وهي لا تدعم فقط القضية الفلسطينية من موقع التضامن، بل من منطلق قومي استراتيجي يرى في القضية الفلسطينية، جوهر التوازن الإقليمي.

الغرب ذاته، الذي لطالما سعى إلى تحجيم الدور المصري، يدرك في قرارة نفسه أن مصر تملك شرعية جيوبوليتيكية لا يمكن تجاوزها. هذه الشرعية ليست فقط مستمدّة من التاريخ والموقع، بل من القدرة الفعلية على التأثير وصياغة المعادلات. لذلك، فإن أي مشروع إقليمي لا يمر عبر القاهرة، هو مشروع معطوب منذ لحظته الأولى.

يونيو، الذي لطالما ارتبط بمراحل تحوّل في التاريخ المصري، كان شاهدًا على تلك المحطات الفارقة:

في 24 يونيو 1839، سُجل نصر نزيب الذي أقلق أوروبا.
وفي 18 يونيو 1956، خرج آخر جندي بريطاني، مُعلنًا نهاية احتلال دام عقودًا، وبداية مرحلة سيادة وطنية خالصة.
وفي 30 يونيو 2013، أعاد الشعب المصري تصحيح المسار بإرادة شعبية داعمة للدولة، في مواجهة مشروع تفتيتي يستهدف تفريغ الإقليم من دوله القومية.

ولا يمكن نسيان أكتوبر، حيث لعب الدفاع الجوي المصري في عيده 30 يونيو، عندما أكد دورًا محوريًا في كسر أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وفرض معادلة جديدة في الصراع العربي-الإسرائيلي.

هذه المحطات لم تكن صدفة، بل تجلٍّ لقوة كامنة في الدولة المصرية، التي عرف قادتها – من الفراعنة حتى اليوم – أن سرّها الحقيقي ليس في الأشخاص، بل في الأمة نفسها. قوة مصر لم تكن لحظة طارئة، بل نمط متكرر يتجدد كلما استُدعيت للقيام بدورها.

من عمق التاريخ، حين حكمت مصر بالمعرفة والتنظيم والعدالة، إلى حاضرها الذي يُراهن عليه كركيزة للسلام والاستقرار، تظل مصر هي مفتاح الشرق، بوابة إفريقيا، ودرع العروبة. ومن هنا، فإن الخوف الغربي منها ليس عداءً، بل قلقًا من عودة دولة إذا نهضت... لا تُوقَف.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

يوسف بلعمرى يرفض عرضاً من الوداد المغربى تمهيداً للانتقال إلى الأهلى

لامين يامال أفضل لاعب شاب فى العالم 2025 من التأريخ والإحصاء

التأمينات الاجتماعية تحدد موعد صرف معاشات يناير 2025.. اعرف اقرب منفذ ليك

قرار جديد من النيابة فى واقعة تعرض 12 طفلا للاعتداء داخل مدرسة بالتجمع

ترامب يعلن خطوبة نجله جونيور.. ونيويورك تايمز: الثالثة.. فيديو


تعرف على بديل تريزيجيه فى تشكيل منتخب مصر أمام نيجيريا

غيابات الزمالك أمام حرس الحدود بكأس عاصمة مصر

إناث و ذكور.. النيابة العامة تعلن مواعيد سحب ملفات معاون نيابة دفعة 2024

مفاجأة فى مستقبل محمد صلاح مع ليفربول قبل أمم أفريقيا 2025

أمين عمر حكماً رابعاً وأبو الرجال مساعد احتياطى فى نهائى كأس الإنتركونتيننتال


بلاغ ضد نادية الجندى بتهمة القذف والتشهير بفريال يوسف

أوروبا بلا أطفال.. مليارات الحوافز تفشل فى وقف تدهور الخصوبة

أحمد السقا: أصحابى دعمونى أمس والنهاردة قالوا عليا عندى إيجو

بدء استلام ملفات التعيين.. قضايا الدولة تفتح باب التقدم لوظيفة مندوب مساعد

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

الفوز الأول.. كأس عاصمة مصر تفتح باب الحلم لسيراميكا أمام الأهلي

موعد بداية كأس أمم أفريقيا ومواعيد مباريات منتخب مصر.. إنفوجراف

انهيار سد فى ولاية واشنطن.. والسلطات الأمريكية تصدر أوامر إخلاء للسكان

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى