«ترامب» و«ماسك» صراع الحلفاء.. تحولات التكنولوجيا فى السياسة والاقتصاد

الصدام بين إيلون ماسك، رجل الأعمال الشهير، والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، متوقع مثلما الصلح متوقع بين رجلين غريبى الأطوار، فى علاقة ظهرت من بدايتها غير طبيعية، لكنها ضرورية فى ظل سطوة شركات التكنولوجيا على الاقتصاد الأمريكى والعالمى، وتداخل المصالح والعلاقات من هذه الزاوية، وتظل السلطة هى نفسها، وتتخذ أشكالا وأنواعا جديدة، فقد كان جزء من أسباب خسارة ترامب لانتخابات 2020 أمام بايدن تحالف شركات التكنولوجيا ضد، «تويتر» مثّل لترامب منبرا رئيسيا، وفى أعقاب اقتحام الكونجرس يوم 6 يناير2021، توحدت مواقع التواصل ضده وحظر «فيس بوك» و«تويتر» حساب ترامب، وعلق موقع يوتيوب نشر فيديوهاته، وأزال محتوى تم تحميله.
معركة ترامب وقتها عكست صراعا، كشف عن ديكتاتورية وتسلط شركات التكنولوجيا، ومدى كونها تعكس ضررا بالحريات مرتبطا بالسياسة، لكن فوز ترامب 2024 غيّر المعادلة، وتبرعت شركة «ميتا» التى يرأسها مارك زوكربيرج بمليون دولار لصندوق حفل التنصيب، وساهم سام ألتمان الرئيس التنفيذى لشركة OpenAI «أوبن إيه آى» وشركة آبل، بمليون مليون دولار،، وتصدر قادة التكنولوجيا الثلاثة - إيلون ماسك، وجيف بيزوس، ومارك زوكربيرج - حفل تنصيب ترامب، «ماسك» اشترى تويتر وغير اسمه إلى «إكس»، وانضم إلى إدارة ترامب وتولى «إدارة الكفاءة الحكومية»، واتخذ إجراءات بالتخلى عن موظفين ووظائف وتواصل التحالف ليكون إيلون ماسك أحد رموز فترة ترامب الرئاسية الثانية، التى لم تخلُ من صدامات ومعارك فى كل الاتجاهات، سواء معارك الرسوم مع الصين وأوروبا، أو تصريحاته المتنوعة، وأخيرا القانون الذى كان سببا فى تفجير صراع علنى بين ماسك وترامب.
وأقر مجلس النواب مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق، حيث قال مكتب التشريع إنه سيمدد التخفيضات الضريبية لعام 2017 التى كانت أهم إجراء تشريعى حققه ترامب فى ولايته الأولى، وانه يضيف 3.8 تريليونات دولار إلى ديون الحكومة الاتحادية البالغة 36.2 تريليون دولار، ويتضمن مشروع القانون إعفاءات ضريبية تقدر بتريليونات الدولارات، وزيادة فى الإنفاق الدفاعى، إلى جانب السماح للحكومة الأمريكية باقتراض المزيد من الأموال.
انتقد إيلون ماسك المشروع الذى طرحه الرئيس ترامب، ووصفه بأنه «شر مقيت» سيزيد عجز الميزانية الهائل إلى 2.5 تريليون دولار، ويثقل كاهل المواطنين بديون لا يمكن تحملها، وأنه مشروع «روبن هود» العكسى، وأكبر عملية نقل للثروة من الفقراء إلى الأغنياء فى تاريخ أمريكا، ترامب يصف قانون خفض الضرائب والإنفاق بالقانون الجميل والضخم».
على خلفية انتقاداته للقانون غادر ماسك البيت الأبيض، مقدمًا شكره للرئيس على منحه فرصة قيادة إدارة الكفاءة الحكومية، ونظّم ترامب حفل وداع لماسك، مشيدا بجهوده.
لكن الخلاف يبدو أكثر عمقا، حيث رد ترامب على انتقادات ماسك فى تصريحات للصحفيين فى المكتب البيضاوى، وقال «أنا شعر «بخيبة أمل، فأنا وإيلون ربطتنا علاقة رائعة، لا أعرف إذا ما كنا سنظل كذلك بعد الآن».
ورد «ماسك» - عبر «إكس» - قائلا: «لولاى لخسر ترامب الانتخابات»، وهنا هدد ترامب بـإنهاء العقود الحكومية الممنوحة لماسك، وكتب على منصة «تروث سوشيال»، «أسهل طريقة لتوفير مليارات الدولارات من ميزانيتنا هى إلغاء الدعم الحكومى والعقود الممنوحة لإيلون»، وأعلنت إدارة ترامب نيتها إنهاء العقود الفيدرالية والدعم الضريبى لشركات إيلون ماسك، بما فى ذلك «تسلا، وسبيس إكس»، وانخفضت اسهم «تسلا» بنسبة 15%، ما أدى إلى خسارة أكثر من 100 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة، يرى مراقبون أن أحد الأسباب الأساسية لتفجر الخلاف كان قرار ترامب بإلغاء الإعفاء الضريبى البالغ 7500 دولار على شراء السيارات الكهربائية، والذى اعتمدت عليه «تسلا» لزيادة الطلب على منتجاتها فى السوق الأمريكى، ويكلف «تسلا» أكثر من 1.2 مليار دولار سنويًا.
«ماسك» نفى أن تكون هذه هى نقطة الخلاف الجوهرية، لكنه صعد من هجماته بتغريدات على « إكس» متهما ترامب بالتورط فى فضيحة إبستين، وكتب «آن الأوان للمفاجأة الكبرى، اسم دونالد ترامب موجود فى ملفات إبستين، هذا هو السبب وراء عدم نشرها». ومعروف أن إبستين اتهم بارتكاب جرائم واستغلال جنسى، و انتحر فى السجن قبل محاكمته عام 2019، ولوح ماسك بإنشاء حزب سياسى جديد يمثل الغالبية الصامتة وينافس الأحزاب القائمة ويضم الطبقة الوسطى الذين لا يشعرون بالانتماء إلى التيارات السياسية الحالية».
لم يكن الخلاف بين ترامب وحليفه مستبعدا، ولا الإصلاح بينهما، حيث تربطهما مصالح وتشابكات اقتصادية، وفى تصرف مفاجئ حذف ماسك، تدويناته على «إكس» نشرها، التى يهاجم فيها دونالد ترامب، ومنها اتهامه لترامب بالتورط فى فضيحة جيفرى إبستين. لكن السيناريوهات تشير إلى أن الصراع بينهما قد يستمر بأشكال مختلفة، أو يتوقف فى هدنة أو محاولات للصلح، لكن الصراع وقبله التحالف بين غريبة الأطوار أيضا يكشف عن حجم التقاطعات والتداخلات بين شركات التكنولوجيا والأموال فى السياسة.

مقال أكرم القصاص فى العدد الورقي
Trending Plus