مشاهد الوفاء تتصدر موسم الحج.. أزواج يجسدون المودة والرحمة تحت مظلات العطاء.. ماء وعصائر ومراوح وقلوب عامرة في رحاب المشاعر المقدسة.. والأزواج يكتبون أجمل قصص البر مع شريكات العمر وسط زحام الحج

في موسم الحج، حيث تتجلى النفوس وتخفت الأصوات إلا من الدعاء والتلبية، لا تقتصر المشاهد المؤثرة على مناسك الطواف والسعي والوقوف بعرفات، بل تمتد لتشمل مشاهد إنسانية تلامس القلوب قبل الأعين، من أبرزها ما التُقط من صور ومواقف لأزواج وهم يعتنون بزوجاتهم خلال أداء المناسك، في مظهر عفوي بقدر ما هو عميق المعنى، يرسم ملامح المودة والرحمة في أبهى صورها.
في أروقة المشاعر المقدسة، من عرفات إلى مزدلفة ومنى، شوهد عدد كبير من الأزواج يرافقون زوجاتهم خطوة بخطوة، يسيرون إلى جانبهن حاملين المظلات اليدوية لحمايتهن من أشعة الشمس اللاهبة، يقدمون لهن عبوات الماء البارد، ويمسحون عن وجوههن آثار التعب، تلك المواقف لم تكن مصطنعة، بل خرجت من رحم عشرة ممتدة ومحبة صادقة لا تحتاج إلى شرح.
بعض الأزواج كانوا يسبقون زوجاتهم بخطوات بسيطة، يختارون أماكن الظل، أو يهيئون بقعة مريحة للجلوس، بينما كان آخرون يمسكون بالمروحات اليدوية لتلطيف الجو أو يحملون الحقائب نيابة عن زوجاتهم، بل إن أحدهم وقف بجانب زوجته في لحظة إنهاك، يظللها بجسده ويناولها الماء وهو يردد الأدعية بصوت خافت.
مشهد آخر في مشعر منى، لرجل مسن يحمل مظلة بيد، ويضع الأخرى على كتف زوجته لتهدئتها وسط الزحام، بينما كان يتبادل معها حديثًا خافتًا يبدو أنه يبعث فيها الطمأنينة.
يقول أحد الحجاج إنه جاء إلى الحج مع زوجته بعد ثلاثين عامًا من الزواج، مؤكدًا أن هذه الرحلة أعادت بينهما لحظات قديمة، وأضاف: في هذه الأيام المباركة شعرت أني أقف معها على بداية طريق جديد من الرحمة والمودة.
أما الأزواج من فئة الشباب، فكان حضورهم لافتًا أيضًا، حيث ظهر عدد منهم وهم يحرصون على راحة زوجاتهم دون كلل، يقدمون لهن الماء والوجبات الخفيفة، يلتقطون لهن الصور، ويمسكون بأيديهن في لحظات الزحام، في مشاهد تجمع بين العاطفة والالتزام، وتعكس فهمًا ناضجًا لمعنى المسؤولية والمشاركة.
هذه المواقف أعادت إلى الواجهة المعنى الحقيقي للعلاقة الزوجية، القائمة على الرحمة والمساندة، وذكّرت الجميع بأن المودة لا تقف عند حدود المنزل، بل تُختبر وتُجسد في لحظات التعب والمشقة.
الحج لا يقيس فقط مدى استعداد الإنسان لأداء الشعائر، بل يكشف أيضًا عن معدن العلاقات، وعن القيم التي تبقى راسخة رغم التحديات.
في ظل ارتفاع درجات الحرارة، كانت هذه التصرفات البسيطة في ظاهرها عظيمة في دلالتها، فهي لم تكن واجبًا يؤديه الزوج تجاه زوجته فقط، بل كانت فعلًا نابعًا من شعور بالفضل المتبادل، والإدراك بأن الرحلة إلى بيت الله لا تكتمل إلا إذا كانت الأرواح متقاربة والقلوب متصالحة.
يقول أحد الحجاج: نحن جئنا معًا منذ البداية، ولن أرتاح حتى أراها مرتاحة، هي ليست رفيقة حج فقط، بل رفيقة عمر، ولا أريد أن تمر هذه الأيام دون أن أعبر لها عن امتناني لسنوات كانت فيها سندًا لي.
هذا التصريح العفوي يلخص الكثير من المشاهد التي رُصدت في طرقات المشاعر، حيث لا حاجة للغة إذا كانت الأفعال أصدق من الكلام.
المشاعر المقدسة كانت في هذا الموسم شاهدة على قصص إنسانية تنبض بالحب والتقدير، توثقها الكاميرات وترويها النظرات واللمسات البسيطة.
وفي وقت يسعى فيه كثيرون إلى استحضار معاني الإخلاص في العبادة، لم ينس هؤلاء الأزواج أن الوفاء لمن شاركهم الطريق هو أيضًا من تمام الإيمان.
هكذا يتحول الحج من رحلة أداء مناسك إلى منصة حيّة تظهر فيها معادن النفوس، وتُروى فيها قصص المحبة والصبر والمساندة بين الزوجين، ليظلّ هذا الموسم شاهدًا على أن المودة لا تُفقد مع مرور الزمن، وأن الرحمة حين تسكن القلوب، فإنها تتجلى في كل فعل، حتى وإن كان مجرد مظلة تقي من الشمس، أو زجاجة ماء في يد تهتز من التعب.
Trending Plus