من الكعبة إلى قلوب الأقارب والأحبة.. حجاج بيت الله يعايدون ذويهم برسائل من السماء.. مشاعر العيد من الحرم: صور ومكالمات تبعث الدفء من أطهر بقاع الأرض.. تكبيرات وتهاني أون لاين وعيد رقميّ بروح إنسانية.. صور


في مشهد مهيب تتعانق فيه الروحانيات بالمشاعر الإنسانية، احتفل حجاج بيت الله الحرام بعيد الأضحى المبارك هذا العام بطريقة خاصة، إذ لم تقتصر فرحتهم على أداء الركن الخامس من أركان الإسلام فحسب، بل امتدت لتشمل تواصلهم المباشر مع أحبائهم في شتى بقاع الأرض، من داخل المسجد الحرام وساحات الكعبة المشرفة، عبر صور وفيديوهات ومكالمات حية، اختلط فيها صوت التكبير بدفء العائلة.


مع إشراقة ثالث أيام العيد، توجّه الحجاج من منى إلى المسجد الحرام لأداء طواف الإفاضة، وسط تدابير تنظيمية وأمنية دقيقة سهلت تحركاتهم، وبينما كانت الجموع تتوافد على باحات الحرم، ظهرت الهواتف الذكية في أيدي الحجيج لتسجّل هذه اللحظات الفارقة وتوثّقها بالصوت والصورة.
مشهد الحاج وهو يقف أمام الكعبة مرفوع اليدين، ثم يلتفت إلى كاميرا هاتفه ليبتسم ويرسل تهنئة قصيرة لعائلته، أصبح مشهدًا مألوفًا ومعبرًا عن ارتباط الإنسان بمحيطه، مهما بعدت المسافات.
الحجاج لم يكتفوا بالتقاط الصور ومقاطع الفيديو فقط، بل استثمروا وسائل التواصل الحديثة لإجراء مكالمات مرئية مع ذويهم، يبثون لهم من خلالها مشاعر الحب والدعاء والتهنئة، مؤكدين أن العيد لا يكتمل إلا بوصال الأهل، حتى وإن كان من خلف شاشات الهواتف.
وبين من يرفع هاتفه عاليًا ليُظهر الكعبة في الخلفية، ومن يتحدث بانفعال مع طفلته أو والدته أو زوجته، كانت هذه اللحظات تختصر الكثير من المعاني حول الروابط العائلية والاشتياق والامتنان.
يقول حاج يبلغ من العمر 55 عامًا، إنه لا يمكن أن يمر العيد دون أن يعايد أسرته، رغم أنه يحج لأول مرة في حياته. يضيف: "وقوفي أمام الكعبة الآن نعمة عظيمة، وحرصت أن أُدخل البهجة على أولادي بإرسال صور لي أثناء الطواف، ثم أجريت معهم مكالمة فيديو مباشرة من ساحة الحرم. شعرت أنني معهم في المنزل وهم معي هنا، وهذا بحد ذاته عيد آخر".
أما حاجة مسنة، فقد بدت متأثرة خلال مكالمة أجرتها مع حفيدها، الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، وقالت: "رغم أني بعيدة عنكم، إلا أن قلبي بينكم. دعوت لكم جميعًا، وهذه اللحظة أعيشها بكل كياني. أشعر أنني ولدت من جديد".

.jpeg)
وتحوّلت بعض مقاطع الفيديو القصيرة التي سجّلها الحجاج داخل الحرم إلى رسائل حب وتسامح، انتشرت لاحقًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حاملة أجواء الحرم إلى كل بيت، وناقلة أصوات التكبيرات، ودموع الفرح، وسكينة الحجاج إلى قلوب المتابعين. وكان اللافت في هذه التسجيلات حرص كثير من الحجاج على ذكر أسماء أفراد أسرهم وتوجيه تحايا خاصة لهم، في لحظات عاطفية لا تُنسى.
الجانب التقني لهذه الظاهرة لم يكن غائبًا عن أنظار القائمين على إدارة الحشود والخدمات في الحرم، إذ هيأت السلطات السعودية بيئة رقمية قوية تغطي كافة أرجاء الحرم والمشاعر المقدسة بشبكة إنترنت عالية السرعة، لتُمكن الحجاج من التواصل مع عائلاتهم دون معوقات، ولتشكل هذه التجربة مزيجًا فريدًا من العبادة والتقنية والوجدان.
ومن جهة أخرى، رأى بعض الحجاج أن هذه التقنية الحديثة أسهمت في تخفيف الشعور بالغربة والحنين في أيام العيد، وأعادت رسم ملامح التواصل في عصر الرقمنة، حيث لم تعد المسافات تعني الكثير في ظل القدرة على رؤية وسماع من نحب في اللحظة ذاتها.
حاج أشار إلى أن صورته التي التقطها مع أصدقائه أمام الكعبة، وشاركها مع والدته عبر تطبيق الرسائل، كانت "أفضل هدية عيد قدمها لها"، مؤكدًا أن هذا العيد سيظل محفورًا في الذاكرة لأنه جمع بين قدسية الحج وحنين العائلة.
وهكذا، أثبت حجاج هذا العام أن التكنولوجيا يمكن أن تكون جسرًا رحيمًا يصل بين الروح والبيت، بين أطهر مكان على وجه الأرض، وبين كل أمّ تنتظر خبرًا، وكل طفل يشتاق إلى ضمة، وكل زوجة تتابع مشاهد الحج بدموع الفخر والدعاء.
من المشاعر المقدسة، انطلقت رسائل العيد هذا العام بطابع جديد، مفعم بالإيمان والحب، وكأنها تعيد تشكيل مفهوم العيد ليصبح عالميًا بحق، يمر عبر الشاشات ولكن يسكن في القلوب.
Trending Plus