هل كان الأطباء اليونانيون القدماء يدركون مرض انقطاع التنفس أثناء النوم؟

عرف عن القدماء أنهم كانوا يفتقرون إلى المفردات والتكنولوجيا اللازمة لتعريف انقطاع النفس النومي كما نفعل اليوم، إلا أن بعض الأدلة تشير إلى أن الأطباء اليونانيين قد تعرفوا على أعراض تتوافق مع هذا الاضطراب.
تعد إحدى أقدم الروايات وأكثرها إثارة ما ورد في كتاب Deipnosophistae للمؤلف اليوناني أثينايوس النقراطي، الذي عاش في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، حيث وصف حالة رجل يدعى ديونيسيوس، تشبه بشكل لافت أعراض انقطاع النفس النومي.
قد يكون هذا الاضطراب ناجمًا عن انسداد في مجرى الهواء أو خلل عصبي، ويُرجّح أن أعراضه أزعجت البشر لآلاف السنين، وفقا لما ذكره موقع جريك ريبوت
ومن أبرز الحالات المسجلة في التاريخ، ما تعرض له الطاغية ديونيسيوس الهرقلي (القرن الرابع قبل الميلاد)، والذي عانى من حالة صحية غامضة حيرت أطباءه ومرافقيه، وقد سجل أثينايوس هذه القصة، كما نقلها بوضوح أيضًا المؤرخ الروماني كلوديوس إيليانوس.
كان ديونيسيوس يغط في نوم عميق وهادئ بشكل غير طبيعي، لدرجة أن من حوله ظنوا أنه مات، فقد ظل جسده ساكنًا، وأنفاسه غير مرئية، وجلده فاقدًا للون والحيوية.
وخشية أن يتوفى أثناء نومه، ابتكر أطباؤه وسيلة لمراقبة حالته: استخدموا إبرًا رفيعة وحادة يغرسونها في طبقات الدهون حول ضلوعه وبطنه، لإيقاظه كلما غفا.
ورغم أن الأطباء القدماء لم يضعوا اسمًا محددًا لحالته، فإن التفسيرات الحديثة تقارن حالته بما يعرف اليوم بـ"انقطاع النفس الانسدادي النومي" الشديد، وهو اضطراب يجعل التنفس أثناء النوم صعبًا، وقد يؤدي إلى مضاعفات فسيولوجية خطيرة.
كان الأطباء اليونانيون، وخاصة أبقراط ومن تبعه من كتّاب الطب، يربطون بين التنفس والصحة العامة، وقد تضمنت مؤلفات أبقراط فحوصات مفصلة للتنفس في سياق أمراض مختلفة.
لاحظ هؤلاء الأطباء أن مشكلات الحلق والصدر قد تؤدي إلى الاختناق أو نوبات الإغماء أو الموت المفاجئ. ورغم أنهم لم يحددوا "انقطاع النفس النومي" كتشخيص مستقل، فإن وصفهم لحالات "الاختناق" الليلي، أو صعوبات التنفس أو صدوره بأصوات مزعجة، والوفيات الليلية غير المبررة، يتقاطع مع الفهم الحديث لهذا الاضطراب.
الجدير بالذكر أن الأطباء اليونانيين، ومن بعدهم الرومان، طوروا وأجروا عمليات جراحية نربطها اليوم بعلاج انسداد مجرى الهواء، فعلى سبيل المثال، كانت عملية استئصال اللوزتين تمارس منذ القرن الأول الميلادي على الأقل، وقد وصف الطبيب الروماني أولوس كورنيليوس سيلسوس، في موسوعته الطبية الطب، طريقة جراحية لإزالة اللوزتين المتضخمتين.
كان شق القصبة الهوائية إجراءً جراحيًا بالغ الأهمية، وكان معروفًا لدى بعض الجراحين القدماء، رغم أنه كان يعد بمثابة الملاذ الأخير في الحالات الحرجة.
فمنذ القرن الخامس قبل الميلاد، أشارت كتابات أبقراط إلى استخدام شقوق في الرقبة كوسيلة لتخفيف حالات الاختناق الشديد.
وفيما بعد، واصل أطباء مدرسة الإسكندرية الطبية، مثل أسكليبيادس وأنتيلوس، تطوير هذا الإجراء، ويعتقد أنهم أجروا أشكالًا مبكرة من عمليات شق القصبة الهوائية.
يظهر ذلك مدى إدراك الأطباء القدماء لأهمية الحفاظ على مجرى الهواء مفتوحًا، حتى في ظل محدودية المعرفة والأدوات الجراحية المتاحة في ذلك العصر.
Trending Plus