أخبار الزمان.. المسعودي يروى الإسرائيليات عن سيدنا آدم

المعرفة ليست مضرة، وليس من الضروري أن نصدق كل ما نعرفه، لكنه بصورة ما يفيدنا ذلك في فهم طرق التفكير، لذا أحب العودة لقراءة كتب التراث وتأمل ما فيها، خاصة كتب التاريخ، التي تلقى الضوء على الحياة على الإنسان الأول، ومن هذا المنطلق نقرأ معا ما كتبه المسعودي في كتابه أخبار الزمان:
ذكر آدم عليه السلام وولده
أجمع أهل الأثر أن آدم عليه السلام خلق يوم الجمعة، وكساه الله لباساً من ظفره، وأسجد له ملائكته فسجدوا إلا إبليس وكان ملكا على الأرض يصعد إلى السماء متى شاء فأبى من السجود لآدم، وقال أنا كنت خليفتك على الأرض وهو من تراب كنت أطؤه، وأنا من نار وهو من طين، فلي عليه الفضل من كل جانب، وأفضله بالأجنحة التي أغشى بها أقطار الأرض في أقل من لمح البصر، فلما امتنع من السجود أبلسه الله ولعنه.
وخلق حواء وألبسها لباسه وأسكنها الجنة لثلاث ساعات مضت من ذلك اليوم، وأباحهما جميع ما في الجنة إلا الشجرة التي نهاهما عنها، وهي على قول أكثر أهل العلم البر، وكانت الحبة بقدر الأترجة فألقتهما الحية، وكانت من أحسن دواب الجنة، وكانت ذات قوائم.
ولما رأى آدم ما أعطيه من الكرامة اشتاق إلى الخلود فطمع فيه إبليس، فاحتال حتى أدخله الجنة.
فخاطب حواء فيها وقال (مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا [ملكين أو تكونا] من الخالدين، وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين)، ولم يزل بحواء حتى أكلت من الشجرة وأطعمت منها لآدم فأكل، فلما أكلا منها انكشف لباسهما عنهما إلى أطراف أصابعهما وبدت لهما سوآتهما، وهرب آدم في الجنة يميناً وشمالاً لا يدرى ما يصنع، فتعلقت به شجرة الاترج وحبسته بناصيته ومعه حواء، فطفقا يأخذان من ورق الجنة ويستتران بها فقال الله عز وجل قد جعلت هذه الشجرة غذاء لكما ولذريتكما، يعني الشجرة التي آكلا منها عاصيين فاهبطوا جميعاً أنتما وإبليس والحية فان بعضكم لبعض عدو.
ونزع الله من الحية قوائمها فهبطوا، فكان مقام آدم في الجنة مع حواء ثلاث ساعات، مقدار مائتين وخمسين سنة من أيام الدنيا، وهو ربع يوم من أيام الآخرة الذي هو ألف سنة.
فاهبط آدم على جبل سرنديب وعليه الورق المخصوف من الجنة، فلما جف الورق وذهبت رطوبته تقطع وسقط فنسفته الريح وطرحته إلى كل جهة فنبت منه بأرض الهند أنواع الطيب والافاويه، والتمر الذي لا يوجد إلا هناك، وفيه العود ودواب المسك، وحوله أصناف اليواقيت والماس، وفي بحره مغايص اللؤلؤ.
وسمى الله آدم عبد الله وكناه أبا محمد وكان طويلا جعد الشعر أحسن من خلق الله تعالى، فلما نزل إلى الأرض نقص من لونه وحسنه وطوله.
وكان يتكلم بالعربية فحول الله عز وجل لسانه إلى السريانية، وانتزع منه ما علمه ثم رده الله سبحانه وتعالى بعد توبته إليه.
وأهبط حواء على جدة وبيدها قبضة من جوهر الجنة فتناثر منه من يدها شيء فكانت الجواهر منه، ونقص أيضاً من حسنها وبهائها وأهبط إبليس ومعه قبضة من النار وعصا من بعض شجر الجنة يقال إنه العوسج ويقال إنها كانت من آس الجنة، وهي التي صارت إلى موسى عليه السلام وأنزل معه ثلاثين قضيباً من ثمار الجنة وجعلها إكليلاً على رأسه، منها عشرة ظاهرة القشور وهي: الجوز واللوز والبندق والفستق والخشخاش والبلوط والقسطل وجوز الهند والرمان والموز وعشرة لها نوى وهي الخوخ والمشمش والأجاص والتمر والزعور والغبيرا والقراصيا والشاه بلوط والنبق والمقل وعشرة لا قشور لها نوى وهي، التفاح والسفرجال والكمثرى والعنب والتوت والأترج والخرنوب والخيار والبطيخ والبر وكان أول ما خلق الله تعالى في الأرض الكمثرى وتاب الله سبحانه وتعالى على آدم عليه السلام بعد مائة سنة: أتاه جبريل عليه السلام وعلمه الكلمات، وهي لا إله إلا أنت عملت سوءا فاغفر لي وأنت خير الغافرين وقيل في طوله أنه كان يبلغ السماء فلما أهبط إلى الأرض جعل طوله مائتين وسبعين ذراعاً، وعلم استخراج الحديد وسبكه وعمل الزبدة والمطرفة والكلاليب والمدية وآلات الأرض وما يحتاج إليه من جميع الآلات.
وعلم ما يأكله من دواب الأرض، وما يجتنبه وأمر بالمسير إلى مكة، وكان موضع قدمه عمرا وما بينهما مفاوز، وأتى جدة فوجد بها حواء تبكي فقال لها هذا عملك .
وقيل له إئت الكعبة فطفت بها، فمشى إليها فتلقته الملائكة بالأبطح فقالوا له حياك الله يا آدم، لقد طفنا قبلك هذا البيت بألفي عام ولسنا بأول من حجه وعلمه جبريل عليه السلام المناسك، وأنزلت عليه إحدى وعشرون صحيفة، وفرض عليه الصلاة والزكاة والاغتسال من الجنابة والوضوء، وزرع، وحصد، وطحن، وخبز، ثم قيل هذا دأبك أنت وذريتك، فقال يا رب ما بلغت هذا إلا بشق النفس فقيل له هذا بخطيئتك.
وعوقبت حواء بعشر خصال، وجع العذرة، ووجع الولاة، وطول الحمل والحيض، وحزن الموت، وقناع الرأس، وملكة الرجال للنساء، وأن تكن تحت الرجل عند الجماع، والولولة عند المصيبة، ورقة القلب عند الحزن - جمع بين آدم وحواء بجمع وتعارفا وعوقب آدم بنقصان طوله، وتغير حسنه، وخوفه من السباع، وكانت تخافه، وحتم عليه وعلى ذريته بالموت، وحفظت عليه أعماله، وكلف النظر في رزقه والتعب فيه.
وعوقبت الحية بقص جناحيها وعدم يديها ورجليها ومشيها على بطنها وشق لسانها، وخوفها من الناس وعدواتهم لها، وجعل من التراب غذاؤها، وإن طلبت أن تقتل أخرجت للناس لسانها.
Trending Plus