الغسيل الأمريكى.. ترامب وماسك وتحولات السلطة والتكنولوجيا والرأسمال

ربما لم يكن الغريب واللافت للنظر هو انتهاء العلاقة أو التحالف السياسى القصير بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، بل إن التحالف نفسه كان غريبا وغير المتوقع، لكنها السياسة، وفى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يمكن توقع كل شىء، لكن اللافت فى الصراع بين ترامب وماسك أنه تضمن تبادل الاتهامات والتهديدات، وما يمكن وصفه بأنه نشر غسيل متبادل بين الطرفين، وهى ظواهر كانت تظهر فى أوقات الحملات الانتخابية فقط، لكنها تجاوزت وظهرت فى الوقت الطبيعى وبين حليفين، لمن يتجاوز تحالفهما العام الواحد وربما أقل.
والواقع أنه بالرغم مما يثيره الصراع من تبادل الاتهامات والسعى لتلطيخ البعض، فإن هذا الأمر يعتبر على مدى عقود من بين ثوابت السياسة الأمريكية وانفتاحها، وإسقاط هيبة السلطات بشكل متواصل، أمرا تضاعفه مواقع التواصل الاجتماعى، ويمثل سمة وربما ميزة للسياسة الأمريكية والتجربة الديمقراطية غير المسبوقة فى انفتاحها ووصول الصدامات فيها إلى أقصى درجات التطرف وتبادل الاتهامات.
مع هذا يبقى الخلاف بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وحليفه الملياردير إيلون ماسك مثار نقاش وجدل فى أروقة السياسة، بجانب تبادل الاتهامات والتهديدات العلنية والمبطنة، خاصة أن ماسك كان يحظى بنفوذ كبير ومكانة خاصة لدى الرئيس ترامب، ولهذا آثار الخلاف صدمة، بالرغم من أن مراقبين توقعوه لطبيعة شخصيتى ماسك وترامب، وأرجعت بعض التقارير بداية الخلاف إلى مرحلة وصول ماسك إلى واشنطن فى يناير كمستشار رفيع، بدأ نهجه فى التحرك السريع وكسر القواعد، ما أدى لأن يصطدم مع البيروقراطية السياسية، خاصة عندما أرسل فريق ماسك بريدًا إلكترونيًا لجميع موظفى الحكومة الفيدرالية يطلب منهم تلخيص إنجازاتهم الأسبوعية، دون تنسيق مع مسؤولى الوكالات، بل ووصل إلى بعض القضاة الفيدراليين، ما آثار قلقا بشأن فهمه آليات السلطة التنفيذية.
«واشنطن بوست» أرجعت الخلاف إلى غضب متراكم من ترامب تجاه ماسك، خاصة مع تقارير عن تعاطى ماسك المخدرات، فضلا عن معركة بالأيدى بين ماسك ووزير الخزانة الأمريكى سكوت بيسنت فى البيت الأبيض.تشير واشنطن بوست إلى أن ترامب تأثر بشدة بعد هجمات إيلون ماسك العلنية عليه، وبدأ محاولا فهمها من خلال الاتصال مع معارف ومقربين، ونقلت الصحيفة عن ترامب قوله فى إحدى المكالمات: «ماسك مدمن مخدرات من الطراز الثقيل»، خاصة أن ماسك نفسه أقر باستخدامه مخدر الكيتامين القوى بوصفة طبية لعلاج الاكتئاب، لكن «نيويورك تايمز» قالت: إنه استخدم الكيتامين بكثافة خلال الحملة الانتخابية، وقال مسؤولون فى البيت الأبيض: «إن قلق ترامب من استخدام ماسك المخدرات، بناءً على تقارير إعلامية، كان من بين العوامل التى تسببت فى التباعد بينهما، خاصة أن توسع نفوذ ماسك داخل المؤسسات الحكومية، أثار استياء فى دوائر القرار، خصوصا بعد تدخله فى ملفات حساسة، لكن الصدام الأقوى جاء بعد رفضه مشروع الإعفاءات الضريبية والإنفاق، وأدى إلى تراشق علنى متبادل على منصة «أكس»، حيث هدد ترامب بسحب العقود الحكومية من شركات ماسك، لكن بقى رد الفعل من ترامب أقل حدة من مرات سابقة، لكنه اضطر للتهديد ردا على إعلان ماسك أنه سينشر عن تورط ترامب فى فضيحة جيفرى إبستين.
اللافت للنظر أن ترامب، المعروف بعدم تردده فى خوض معاركه على وسائل التواصل الاجتماعى، لم يكن بنفس الحدة مع ماسك، بل إن الرئيس طلب من المحيطين به عدم «سكب البنزين على النار»، وأوصى نائبه، جى دى فانس، بالحذر فى تعليقاته العلنية على الموقف مع ماسك، فى إشارة إلى ما حاول بعض المقربين من ترامب إثارته فيما يتعلق بكون ماسك مهاجرا غير شرعى فى الأساس ينتمى لجنوب أفريقيا، وبالغ البعض مطالبا بترحيله.
لكن ترامب اكتفى بأن أعلن أن أمله خاب فى حليفه، لكن ترامب أعلن أن علاقته بإيلون ماسك «انتهت»، وحذر ماسك من أنه سيواجه «عواقب وخيمة» إذا مول مرشحين ديمقراطيين لمواجهة الجمهوريين، الذين صوّتوا لصالح مشروع قانون الميزانية الشامل الذى يدعمه الحزب الجمهورى، وقال ترامب فى مداخلة مع شبكة «أن بى سى نيوز»: «إذا فعل ذلك، فسيتحمّل العواقب «...» عواقب وخيمة جدًا».. رافضا الإفصاح عن طبيعة تلك العواقب.
فى الوقت نفسه، حذف ماسك تغريداته بما فيها التى كان يهدد فيها ترامب، لكن الرئيس ترامب قال إنه لا ينوى إصلاح علاقته مع ماسك، ونفى أن يكون راغبا فى إعادة العلاقة، واتهم ماسك بعدم احترام منصب الرئاسة، وقال ترامب: «أعتقد أن هذا أمر سيئ للغاية، لأنه لا يحترم المنصب... لا يمكنك أن تُظهر عدم احترام لمؤسسة الرئاسة».
الواقع أن الخلافات بين الرئيس والملياردير كانت متوقعة لطبيعة الشخصيتين، بجانب صعوبة تخيل استمرار تحالف للمال مع السلطة، مع الأخذ فى الاعتبار أن المال يؤثر فى السلطة، ويدخل ضمن آليات تحولاتها فى الولايات المتحدة، فقط كان التحالف علنيا والخلاف أيضا، ويمكن توقع المزيد من نشر الغسيل، وأيضا التحولات الدرامية فى السياسة العالمية التى تدار من خارج الصندوق وأحيانا من خارج المنطق، لكنها لا تخرج عن طبيعة تحولات السلطة وتأثيرات وانعكاسات التكنولوجيا والرأسمال.

مقال أكرم القصاص
Trending Plus