جدلية السلاح والسياسة وإهدارهما معا.. حديث التخوين والقرابين والهزل الأصولى فى موضع الجد

حازم حسين
حازم حسين
حازم حسين

لعنة الوقت لا تزال تلاحق قطاع غزة، وفى كل شىء تقريبا. افتتاح الحرب فى غير أوانها ومن دون استعداد كامل، أو مطاردة الهدنة بين تلكؤ ومناورة من الطرفين. ما يُصار إليه متأخرا، وما يُقال فى أسوأ لحظة تتطلب الأفعال لا الأقوال، والجميع يخطئون تقريبا، غير أن فريقا يحتمى بالبطش والآخر يتلطّى وراء السردية بحمولاتها العاطفية، والعوام المنكوبون واقعون بينهما دون حول ولا قوة.


أظهرت الأزمة أسوأ ما فى النفوس بدلا من التضامن، وهشّمت تماسك الجغرافيا الهش أصلا، فيما تتفسخ الديموغرافيا وتُصاب بالعلل من كل صنف، حتى ليستحيل إصلاح أعطابها الآن ولو توقفت المقتلة بأثر فورى.


الاحتلال هو الاحتلال، لم يتقدم شبرا ولم يتقهقر. فداحة المأساة أكبر بالتأكيد، لكنه المتوقع والمعتاد، مضروبا فى معاملات حسابية مركبة بطبيعة الظرف وحجم الاشتباك. إنما المقاومة لم تعد هى تماما، أو على الأقل ما كانت تسوّقه وتدعيه عن نفسها فى محطات سابقة. من حيث أنها عمل نضالى لا انتحارى، وطلب للحياة لا احتفاء مجانى صاخب بالموت. وأنها عمل جاد وشوّاف، يطلب المستحيل من بوابة الممكن، وليس بالتضحية به بيُسر وانعدام عقل تحت أقدام الغزاة السفاحين.


والأهم أنها فعّالية اجتماعية بالأساس، تكتسب قيمتها وجدارتها من انتمائها لحاضنة شعبية، واحتمائها بالناس وفق علاقة تعاقدية رضائية ومتوازنة، لا على صيغة عقد الإذعان أو إهدار العام لصالح الخاص.


صحيح أن النقد يجب أن ينصرف إلى آلة القتل المتوحشة ابتداء، وألا يساوى بين الجناة والضحايا من أى وجه، لكن عدالة القضية وحدها لا تكفى لتجنيبها مزالق الافتئات عليها من داخلها، وخصخصتها لحساب تيار دون بقية المكونات، ثم تمرير الخطايا تحت سقف الحق فى السعى دون الالتزام بإحراز النجاح، ذلك أنه لم يكن مطلوبا منهم بالأساس تحرير فلسطين فيما بين النهر والبحر، ولا استخلاص الدولة من بين أنياب عدوّها الجارح، بل أن تتحرك للأمام قليلا أو تثبت على الأقل فى مكانها دون ارتداد للوراء.


وما فعله «طوفان السنوار» كان على العكس تماما، والأنكى منه استمرار المماطلة فى الاعتراف، وتحرير الوقائع من أسر الأصولية ومناكفات الأيديولوجيا، وأولوية أن يُقر المريض بعلّته حتى يعرف طريقه إلى الأطباء، ويختار التخصص المناسب، ويبدأ رحلة التشافى التى ستكون طويلة ومرهقة جدا فى كل الأحوال.


ليس من وظائف السلاح أن يخترع النكبات. لا سيما أنها متحققة فعلا من دون حضوره، والمتغير المطلوب منه أن يُحصّن بيئته منها أو يكبح اندفاعتها قليلا، لا أن يُحفّزها ويستجرّ على البلاد والعباد ما يفوق طاقتهم، ثم يقف معاندا بالحق أو الباطل، ومتفاخرا بما لا يستأهل الفخر، وذلك خصوصا إن كان ينطوى على خيلاء غير مبررة، وتعالٍ فوق المواجع الإنسانية المتمثلة فى كل ركن من القطاع، وإن كان يحمل بين مضامينه رسالة خفيّة بالفرز والانتقاء وتجزئة المُجزّأ، كما لو أن الفصائل تنظر لنفسها من زاوية غير الشعب، أو تعتبر أنها شعب مغلق على ذاته، ولا عبء عليها من معاناة المدنيين المعلقين فى رقبتها، كما لا شرّ مطلقا طالما كانت بخير.


للجيوش منطقها المختلف عن الميليشيات قطعا، إنما للحكومات فى كل مكان منطق واحد لا يتبدل، أساسه أن تضطلع بواجباتها تجاه رعاياها، ولا تضعهم فى مواضع التهلكة كلما كان ذلك ممكنا، وإن فُرِضت عليها التحديات الجسام فليس أقل من التحوّط، ووضع الخطط وبرامج العمل المناسبة للطوارئ وأحوال الاستثناء.


وليس بمقدور أحد أن يطلب من الحماسيين ما لم يُؤهّلوا له أصلا، بمعنى أن يكونوا قوة عسكرية نظامية تقيس الربح والهزيمة بمعطيات محددة ومنضبطة، لكن التنازع فى الميدان لا ينسحب بالضرورة على المجال الاجتماعى العام.


فيما تظل الحركة سلطة مدنية فى أحد أوجهها، وعليها واجب الضبط والتنظيم والإغاثة دون مسموحات، أو الاستقالة المُعجّلة من أدوارها، وإخلاء الساحة لمن يستطيعون الوفاء بالمهام المطلوبة، أو لتفاعلات المأساة مع السياسة والضمير وصولا إلى تخليق بديل قادر على الإنقاذ وردم الهوّة العميقة وشديدة الاتساع.


المعضلة مع حماس فيما لا تقوله الحركة طوال الوقت، بيد أن ما تقول ويصرح به قادتها يظل أفدح. وذلك من أول رومانسية السنوار والضيف صبيحة السابع من أكتوبر قبل الماضى، بالحديث عن إطلاق الحرب الختامية بغرض التحرير الشامل، مرورا بكلام خالد مشعل على أكوام الطلل والأشلاء عن كونها «خسائر تكتيكية»، وإلى رسائل الحرب والصمود بلحم الأطفال الحى، وأن الغزيين قرابين مقدسة على مذبح القضية والنضال.


والوقاحة هنا أن يُسمَع قول كهذا من داخل التيار الإخوانى فيما تُنحَر أضاحى العيد على امتداد العالم، وبدلا من إطعام الجوعى ما يُحرمون منه طيلة الشهور الماضية، يُقال لهم ضمنيا إنهم ليسوا أكثر من خراف فى حظيرة الأصولية التى أصابتها لوثة البطولة والانتصار، بينما تترى الهزائم على رؤوسها ولم تعد المواقف بريئة تماما من الشبهات.


كان الفارق واضحا منذ البداية، لكنه أفرط فى التعبير عن نفسه بالوقائع التالية لغزوة الغلاف، لعل بصيرا ومبصرا بين الحماسيين يردّهم إلى نطاق التعقل وموازنة الأمور بذكاء وإنسانية صافيين.


العدو نازى متوحش ولا خلاف، لكن الصديق عليه أن يكون أكثر وعيا، وكلما فاتته فرصة للهرب حرّى به أن يخترع غيرها، لا أن يُفوّت الفرص أو يزهدها عن احتياج وضرورة.


يمضى قطار الخراب والدم بوجود الكتائب المسلحة، مع عطالتها وانعدام تأثيرها، بينما الخيار البديل أن تخلع الشدّة العسكرية وتُحيد الحناجر كما حُيّدت البنادق، إذ ليس أسوأ مما وقع على الغزيين معهم ليقع بغيابهم.


احتُلّت الأرض، وقُتل الآلاف وما زالوا، وأُخرجت خطط التهجير من الأدراج، وما مواصلة إثارة الغبار إلا غطاء لنوايا الصهاينة وممارساتهم، وليس صلابة فى الموقف أو ثباتا على المبدأ.


يتسلّط الماضى على العقول للأسف، وفيه تجربة وحيدة قاس عليها السنوار حركته، ويواصل خلائفه القياس بالآلية ذاتها. خمس سنوات بين خطف الجندى جلعاد شاليط ومبادلته بألف مسجون بينهم يحيى نفسه، تسببت العملية فى حرب غزة الأولى بعد الانقلاب الحماسى على السلطة، وكانت أقصر زمنا وأقل فى خسائرها، وأضيف خلالها للمعتقلات مثل من تحرروا لاحقا أو يزيد.


والآن سدد القطاع فى عشرين شهرا تكلفة مضاعفة توازى حجم الفارق فى عدد الرهائن بين الحالين، ولم يجن ما يتناسب مع العملية الكبرى. استخلصت إسرائيل أربعة أخماس أسراها بالحروب والصفقات، وأخرجت مئات أُعيد اعتقال بعضهم وأُضيف أضعافهم للمعتقلين السابقين، والحديث كله يدور عن عشرات المحكومين بالمؤبد فى أية صفقة جديدة، بجانب حصة زهيدة ممن قذفتهم الجولة الأخيرة إلى غياهب السجون.


وخلال الأيام الماضية وحدها استردت إسرائيل ثلاث جثث من دون مقابل، سبقهم الجندى مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر مجانا، كعربون محبة للإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب. أخفق الحماسيون على رقعة القتال، ويخفقون برداءة أكبر فى غرف السياسة والتفاوض.


طالعت مؤخرا منشورا على حساب يحمل اسم طاهر النونو، المستشار الإعلامى لرئيس المكتب السياسى لحركة حماس، وقد استوثقت من مصادر عدّة أنه الصفحة تعود إليه فعلا. يقول الرجل نصا: «بعض المأجورين يقولون إننا نقاوم لنبقى نحكم غزة.. حبيبي، طريق الحكم سهلة، نتنازل ونُفرّط، وندخل البيت الأبيض، وحينها أمثالك تصمت.. بل وتصفق».


انتهى الكلام السخيف، والأكثر سخفا أنه صادر عن قيادة رفيعة، ويُفترض أنها نخبوية ونوعية، تقدم الاستشارات لأصحاب القرار، وتعرف الإعلام جيدا استيعابا وممارسة، وإذا كانت تلك حال الخبراء داخل التنظيم، فعلى أية صورة يكون عوامّه ومسلّحوه؟!


وتلك أكبر أزمة يعيشها الحماسيون وينكرونها، ألا وهى أنهم منفصلون عن الواقع، غائصون فى الوهم، وغير مؤهلين لقيادة السلاح أو السياسة.
الحصيف فيهم يهرف بما لا يعرف، أو يستمرئ الشعبوية ومغازلة العواطف، وحينما يسعى لتثبيت قواعده فإنه يضعها فوق فلسطين وقضيتها، ويهين ما عداهم من جثامين الموتى أو فواجع الأحياء.


تتجاهل الحركة أنها سلطة أمر واقع يحميها البطش، أقلّه منذ انقلابها على رام الله قبل نحو عقدين. لم ينتخبها الناس أو يوسدونها شؤونهم عن ثقة وجدارة، بل استلبتهم بما لا يختلف كثيرا عن استلاب الاحتلال، واستبدّت بمحياهم ومماتهم قهرا فى الحكم وانفرادا باختراع النكبات.


والضلال كله أنها اعتبرت الصمت إقرارا، ثم عندما فاجأتها غضبة الناس بعد كل ما أصابهم، كان الأسهل عليها أن تلجأ إلى التفسيرات السهلة تحت غطاء التطهر والربانية الذى تدعيه. صار الممتعضون متخاذلين، والرافضون طابورا خامسا، وأنفذت فيهم قضاء الله على الخونة والمرتدين دون فحص أو محاكمة.
والأسابيع الطويلة الماضية ملأى بوقائع التعدّى والترهيب وصولا إلى القتل، أو تعويق الضحايا برصاصات على مفاصل السيقان. والمُبرر أنهم سُرّاق يسطون على المساعدات، أو مستعربون يعاونون المحتل من الداخل.


لم يُنظَر إلى جوعهم، وبالتأكيد لم يتوقف أنبياء الجهاد أمام ما ينطوى عليه الموقف من مساواتهم بالعدو.
أسس الراحل يحيى السنوار أسطورته على قيادة جهاز مجد الأمنى، ومهمته ملاحقة المتعاونين مع الصهاينة ومحاسبتهم. وبعيدا من تعقد التفاصيل، فإن إسرائيل عندما حاكمته لم تثبت عليه سوى أربعة وقائع تصفية جسدية فحسب، ربما كانت حصيلة شهور أو سنوات.


الأسبوع الماضى وحده فيه اثنتا عشرة حالة بين إعاقة وقتل، وكل الأسابيع السابقة لا تخلو من أرقام شبيهة. فيما كانت الأعداد أكبر فى فترة الهبة الشعبية قبل شهرين تقريبا، وعملت فيها ميليشيات التنظيم بوسائل متنوعة بين الترهيب وتهديد المتظاهرين بذويهم، أو الاعتداء البدنى التربوى كما تراه، وأخيرا الحسم برصاصة طائشة فى الخفاء.


لا يمكن افتراض أن بيئة شمولية ومحكومة بالحديد والنار ستخرج ملائكة، ولا أن ما يزيد عن المليونين ليس بينهم خونة أو عملاء للاحتلال، إنما يستحيل أيضا أن ننكر على الجوعى تمسكهم بالحياة، ومحاولة الوصول إلى ما يقيم أودهم ويملأ بطون أطفالهم كلما كان متاحا، بالشراء إن توفرت البضائع والأموال، أو بالاحتيال والمزاحمة والسطو ما لم يجدوا بديلا آخر.


أما اتساع رقعة التعاون مع الصهاينة على ما تروّجه الحركة، لحد الوصول بمجموعة ياسر أبو شباب فى رفح لنحو 300 فرد، فليس من المنطق اختزاله فى دعاية الانحراف التطوعى لطائفة تجرى الخيانة لديها مجرى الدم، والأولى التوقف أمامه واستخلاص دروسه وإفاداته على وجه متجرد، ومن دون حساسيات أيديولوجية أو مبالغات فصائلية.


غزة بيئة مغلقة على نفسها، ويكاد سكانها جميعا أن يعرفوا بعضهم. التعاون مع الاحتلال عار لا قبله ولا بعده، ناهيك عما فيه من مخاطرة تبدأ داخل الأسرة الواحدة، قبل أن تكون مع حماس وكتائب القسام. الشهور الماضية توصّلت فيها إسرائيل إلى أرفع قادة التنظيم من كل المستويات السياسية والعسكرية، وأطاحت بألوية كاملة، وتُبقى غيرها من دون قيادة واضحة أو متماسكة تقريبا، بعدما ألحقت سلسلة البدائل المتوالية ببعضها فى غياهب الأنفاق.


آخر الضحايا البارزين محمد السنوار، شقيق القائد السابق وبديله. ومستوى الانكشاف إنما ينُم عن اختراق عميق حتى النخاع، وعن أطهار بررة من الحماسيين ربما أفادوا عدوّهم بالتفاصيل وإحداثيات المكان، فيما المتوقع أنهم يتمتعون بإمدادات مستدامة ومخصصات مالية تقع فى أيادى عائلاتهم، وهم بالتأكيد محصّنون عقائديا وأخلاقيا كما يعتقد قادتهم ومُجنِّدوهم.


ولا نحتاج للتذكير بالسوابق منذ التسعينيات، ودماء الرنتيسى والجعبرى وصلاح شحادة وطابور طويل غيرهم تشهد.
وإذا تحققت الخيانة بين المناضلين عن استغناء، فلا وجه للوم العوام عن انحرافات غير ثابتة فى زمن النكبة والامتحانات الثقيلة.
أما استسهال التوصيف لميليشيا من 300 مقاتل يتحركون فى وضح النهار على أنهم وحدة مستعربين غزية، فيُغطى على حقائق أكثر ثقلا وتُوجب التوقف الجاد أمامها دون تبسيط أو إبطاء. لا تُرتكب الموبقات جهرا أو فى مواكب جماعية، ولا يصح القفز على خطابها المعلن بمعارضة حماس، وقد خلعت الأخيرة عن كاهلها التزام الحكومة، واعتصمت بمسموحات الميليشيا ومزاياها حصرا.


المعنى العميق والأكثر إزعاجا هنا أن الصهاينة يعيدون إنتاج تجاربهم القديمة بحذافيرها تقريبا. وقد كان نشوء حماس من عدم بعد فوران الانتفاضة الأولى، وبالتزامن مع سطوع كاريزما ياسر عرفات، من خطابه أمام الأمم المتحدة إلى إعلانه قيام الدولة الفلسطينية من طرف واحد فى الجزائر، لم يكن إلا تشغيبا صهيونيا من قناة الأصولية الإسلامية وتحت عباءة الإخوان.


والذاكرة لا تخلو من اعترافات صريحة ومضمرة توترات على ألسنة إسحاق رابين وشيمون بيريز وآخرين، لكن الدليل القاطع تأتى لاحقا من رعاية الانقسام وحمايته والاستثمار فيه، ومن صفقات أمّنت للحماسيين حقائب شهرية بملايين الدولارات، وسمحت لهم ببناء قدراتهم اللوجستية ومرافقهم الحيوية وتعزيز مخزونهم من السلاح تحت سمع نتنياهو وبصره، بل إنه ظل وفيًّا لاقتطاع غزة من رباطها مع الضفة الغربية كوفاء إسماعيل هنية ورجاله أو يزيد.
وعندما يعترف مؤخرا بأنه يُسلح بعض العشائر المعارضة لحماس، فإنه لا يفعل غير ما فعله سابقا، وانتفعت منه الحركة لذاتها، وجارت به على القضية وبقية مكوناتها النضالية والشعبية من دون استثناء.


أما ما يجب أن يتوقف أمامه الحماسيّون، فإنه يقع فى نطاق الرمزية والمدلولات المترشحة عن سلوكيات بعض الغزيين المستجدة. وقد صار فريق منهم على ما يبدو يُساوون بين الفصيل المقاوم والخصيم المحتل، أو يضعون الثانى قبل الأول، ربما لأن ضيقهم من الحركة يعلو على ما عداه من مشاعر وثوابت وطنية وأخلاقية، أو لأنهم لم يجدوا لديها هامشا للشراكة والاعتراف بالشركاء، واسترعاهم أنها تشطب على حضورهم بغلظة لا تقل عن الصهاينة، وأن المجال لم يعد يتسع للاثنين معا: الفصيل الإخوانى والمجموع المنكوب وغير المؤدلج.


وهنا لا يكفى الوصم لإبراء الذمة وإغلاق الملف نهائيا، إنما يتوجب مراجعة خطاب الحركة وممارساتها فى المجال العام، واستكشاف الخلل ونقاط الزلل التى تورطوا فيها، والاعتراف بها كمقدمة للاعتذار والتصويب، إن كانوا يبتغون الإصلاح ووجه فلسطين فعلا.


لم يعد التحرير متاحا بالبنادق، وغاية المراد أن تتحسن شروط الاحتلال، وأن يثبت الناس فوق أرضهم منتصبين، لا زاحفين على معدات خاوية.
المساعدات صارت وسيلة لاستعراض القوة من الناحيتين: بين سطو وخصخصة سابقين من جهة الفصائل، أو تسليح ونمذجة أمنية من جانب الاحتلال عبر «مؤسسة غزة الإنسانية» ومراكزها المستحدثة.


رقصة الاستعراض على الأبدان متواصلة بين قاتل شرس ومقاوم غائب، إلا عن الخطابة وإثارة الغبار، فيما يموت الناس بالرصاص وسوء التغذية أو انعدامها تماما.


السلاح عامل الضعف الغزّى راهنا، بميله لجانب المحتل ضد المختل والمنكوبين، والسياسة ربما تكون آخر أوراق قوتهم المتاحة، لكن نتنياهو يتهرب منها، والقساميون يعينونه على الإفلات فى كل مرة، ولا فارق هنا بين ادعاء البأس زورا، أو الاستثمار فى البشر كقرابين مقدسة لأغراض الدعاية وإزعاج الضمير.
التسلسل الدرامى منذ الطوفان يمضى على وتيرة واحدة: قتل مفرط، ثم هدنة محسوبة، واستخلاص لبضع رهائن، فعودة للبطش مجددا.


ولو مددنا الخط على استقامته، فالنتيجة أن يفنى خزّان الأسرى، ويُضاف مئات أو آلاف جدد لطوابير الفداء المجانى، وصولا إلى المحطة نفسها: أن ينطفئ الميدان المشتعل على ركام التنظيم، وتبدأ رحلة التعافى أو التهجير من مجال لا تسيطر عليه حماس، بل لا تُطلّ برأسها إطلالةً عابرة من بين أنقاضه ومقابره.
ستتوقف الحرب فى كل الأحوال، لكن إطالتها ليست فى صالح أحد سوى نتنياهو، لأنها تُؤمِّن له التترُّس وراء أهدافه الصاخبة، وتعصمه من المساءلة الداخلية، وتُعسِّر مهمة فرق الإنقاذ الإقليمية والدولية لاحقا.


بقاء حماس فى المشهد صار عبئا مركبا: تمد الذرائع للعدو المتوحش، ويُنشط الميليشيات أكانت معارضة أم خائنة، ويعمق الانقسام، والأفدح أنه يعطل السياسة، فيما هى مسار نهائى لا بديل عنه، وكلما تقاعسوا عنها يحكمون على فلسطين بالدخول إليه من نقطة أضعف.


يتأهّب العالم لمؤتمر حل الدولتين فى نيويورك خلال أيام، وأقصى ما يُؤمل منه أن يضيف آحاد الدول إلى قائمة تضم 149 دولة اعترفت بفلسطين فعليا. الولايات المتحدة على موقفها الرافض، ولا دليل أكبر من الفيتو ضد الإنقاذ ووقف العار الإنسانى قبل أسبوع.


ووزير الأمن الصهيونى يسرائيل كاتس يصوّب على ماكرون وغيره، ثم يقول: «سيعترفون على الورق ونقيم دولتنا اليهودية على الأرض».
غزة تكاد تكتمل تحت سطوتهم، وماكينة القضم متسارعة فى الضفة الغربية، والفصائل الغزية تتمسك بالموقع الأضعف/ السلاح، على حساب الأقوى/ السياسة، لأنه حالما تخرج من المشهد لن يعود بالإمكان الاستثمار فى ورقة الطوفان ومزاعم حق الدفاع عن النفس، أو التهرب من الالتزامات القانونية والأخلاقية تجاه المدنيين المنكوبين، أو إنقاذ نتنياهو من هجمة الداخل عليه بالمساءلة والحساب وإعادة تشكيل المجال العام وتوازناته.


العقدة مستحكمة فى كل الأحوال، لكنّ تصلُّب حماس يزيدها استحكاما، وبذاءتها مع خصومها تزيدها سخفا وفجاجة، والتطهر دون استحقاق مع التعالى على نكبة بيئتها لا مبرر لهما إلا التمسك بمصالحها، وإعلاء نفسها فوق القضية والصراع.


ثلاثية مركبة من الأدوار المشبوهة: خدمة زعيم الليكود ولو من دون قصد، والانخراط فى أجندة الشيعية المسلحة، والبقاء على عهد الإخوان ومن يُديرونهم ويحركون أذرعهم فى الإقليم.


أما فلسطين فربما لا تتجاوز لديهم صفة «المسواك فى الفم» كما قال قياديهم البارز محمود الزهار، ويبرهن على قوله بقية القيادات بالتصريح والتلميح والأداءات السيئة والمنفّرة.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

35 لاعبًا فى قوائم الأندية بالدورى الموسم المقبل 2025/2026

عماد حمدى ومحمد بيومى يرفضان التجديد ويقتربان من المصرى

أغلى 10 فرق في كأس العالم للأندية 2025.. فريقان تجاوزا المليار يورو

انفراد بالمستندات.. ننشر شروط قيد وانتقالات اللاعبين للموسم الجديد 2025/26

الاحتلال يواصل هدم المنازل في مخيم طولكرم تزامنا مع مواصلة عدوانه لليوم الـ134 تواليا


أفلام عيد الأضحى تحقق إيرادات 20 مليون جنيه فى ثالث أيامه

غلق وتشميع عيادة طبيب واقعة المسنة المتوفية فى قنا لعدم وجود ترخيص

تظاهرة في كولومبيا احتجاجا على العنف بعد تعرض سيناتور لمحاولة اغتيال

نتيجة الابتدائية والإعدادية برقم الجلوس.. رابط بوابة الأزهر الإلكترونية

الأهلي يُجهّز مستندات لتحصين "عملية قيد" زيزو رداً على تهديدات الزمالك


الزمالك يرفض الاستسلام في أزمة زيزو.. البداية لجنة التظلمات وفيفا يقترب

"اليوم السابع" ينشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. تفاصيل

ياسر إبراهيم: نمتلك ذكريات رائعة بكأس العالم.. وأتمنى مواجهة ميسي والفوز عليه

بالزيادة الجديدة.. تعرف على موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025

بن حمودة يدخل اهتمامات الزمالك فى الميركاتو الصيفي

أول تعليق من باتشوكا بعد مواجهة الأهلي قبل كأس العالم للأندية

الهلال السعودي يستبعد على لاجامي من كأس العالم للأندية

مواعيد مباريات اليوم.. مواجهات قوية فى تصفيات أوروبا لكأس العالم

ثالث أيام التشريق.. الحجاج غير المتعجلين يكملون رمي الجمرات

زيزى البدراوى أفنت ثروتها في فعل الخير وجمهور عبد الحليم حافظ كرهها بسببه

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى