بعد حادث المنوفية.. تحليلات وإحصاءات تكشف حجم الكارثة المخدرة.. الداخلية تنتفض ضد السائقين المتعاطين.. ضبطت 2198 سائقا فى 6 أشهر.. والحشيش والترامادول الأكثر تعاطيا.. وإحصائيات: فرصهم فى الحوادث 5 أضعاف غيرهم

تقع بعض الحوادث المرورية الناتجة عن قيادة المركبات تحت تأثير المواد المخدرة، الأمر الذى بات يشكل تهديدًا خطيرًا للسلامة العامة على الطرق المصرية، وأصبح واحدًا من أبرز أسباب نزيف الأسفلت المتواصل الذى يحصد الأرواح ويُفجع الأسر.
وتُعد واقعة الطريق الإقليمى بمحافظة المنوفية قبل أيام، نموذجًا صارخًا لما يمكن أن تسببه هذه الوقائع من كوارث مأساوية، حيث اصطدم سائق نقل متعاطٍ للمخدرات بميكروباص يقل عددًا من الفتيات فى طريقهن للعمل بأحد المصانع، ما أسفر عن مصرع 18 فتاة وسائق الميكروباص، فيما تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط سائق النقل المتسبب فى الحادث فورًا.
وزارة الداخلية من جانبها لم تقف مكتوفة الأيدى، إذ تواصل تنفيذ حملات مكثفة على الطرق الرئيسية والفرعية للكشف عن السائقين المتعاطين للمواد المخدرة، وذلك بالتنسيق مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.
وخلال الفترة من 1 يناير حتى 23 يونيو 2025، خضعت عينات 51,507 سائقين للفحص، وأسفرت النتائج عن إيجابية 2,198 حالة بنسبة بلغت 4.3%، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين، فى خطوة تعكس الجدية الرسمية فى مواجهة هذه الظاهرة.
يقول اللواء دكتور أحمد كساب الخبير الأمني، إن استمرار هذه الحملات بشكل دورى وعشوائى يمثل وسيلة فعالة فى ردع السائقين، خاصة فى ظل وجود اعتقاد خاطئ لدى البعض بأن بعض المواد المخدرة، كالترامادول، تساعد على التركيز أو مقاومة التعب أثناء القيادة لمسافات طويلة، وهو ما يتنافى تمامًا مع الحقائق العلمية والطبية، حيث تؤدى تلك المواد إلى بطء الاستجابة، ضعف التركيز، واضطراب تقدير المسافات، مما يجعل من السائق خطرًا على نفسه وعلى الآخرين.
الإحصائيات والدراسات الحديثة تؤكد فداحة الوضع وفقا للتقارير الاعلامية، إذ كشفت دراسة ميدانية أُجريت على عينة من السائقين المتوفين فى حوادث مرورية، أن ما يقرب من 72% منهم كانت لديهم آثار لمواد مخدرة فى أجسامهم، وتصدر الحشيش والترمادول قائمة المواد الأكثر استخدامًا.
وفى دراسات سابقة أجريت على متعاطين المخدرات من السائقين، تبين أن بينهم 47.5% كانوا يتعاطون الترامادول، بينما تعاطى 27.5% الحشيش، فى حين ظهر الأمفيتامين لدى نسبة 8%.
ووفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن السائقين الذين يقودون تحت تأثير الأمفيتامين تزداد احتمالية تسببهم فى حوادث قاتلة بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بغيرهم من السائقين.
القانون، بدوره يتعامل بصرامة مع هذه الحالات، حيث ينص على توقيع عقوبات مشددة بحق من يثبت تعاطيه للمواد المخدرة أثناء القيادة، وتشمل العقوبات سحب الرخصة، الغرامة التى قد تصل إلى 20 ألف جنيه، والحبس الذى قد يمتد إلى ثلاث سنوات.
وفى حال ترتب على الحادث وفاة أو إصابة جسيمة، قد تصل العقوبة إلى السجن المشدد والغرامة المضاعفة، ما يعكس رغبة المشرع فى الحد من هذه الجرائم التى لا تقل خطورة عن الجرائم الجنائية المباشرة. ويؤكد خبراء أمنيون أن العقوبة وحدها لا تكفى، بل لا بد من توافر وعى مجتمعى بخطورة القيادة تحت تأثير المخدرات، مشددين على أهمية تعاون كافة الجهات المعنية، وعلى رأسها مؤسسات الإعلام والمدارس والجامعات، لتوعية الشباب بالأضرار الفادحة التى قد تترتب على لحظة تهور واحدة.
ورغم أن التقارير أشارت إلى انخفاض نسبى فى عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق، حيث تراجع عدد الضحايا من 7,762 حالة وفاة فى 2022 إلى 5,861 فى 2023، ثم إلى 5,260 فى 2024، إلا أن عدد المصابين شهد ارتفاعًا بنسبة 7.5%، ما يعنى أن المشكلة لا تزال قائمة، وتتطلب إجراءات أكثر شمولًا وفاعلية.
ويرى خبراء المرور أن من الضرورى توسيع نطاق برامج إعادة التأهيل النفسى والإدمانى للسائقين المخالفين، وربط عودة الرخصة باجتياز فحوصات طبية وتدريبات إجبارية على السلامة المرورية.
وفى هذا السياق، تقترح بعض المبادرات الأهلية والتنموية فرض إجراء تحليل مخدرات دورى لكل من يعمل فى مهن القيادة، خاصة سائقى الشاحنات والميكروباصات، مع إنشاء قاعدة بيانات مركزية لتتبع حالات التكرار وتحديد الفئات الأكثر عرضة للمخالفات.
كما يجرى التفكير فى إنشاء وحدة توعية متنقلة تجوب مواقف السيارات وأماكن تجمع السائقين لنشر التثقيف اللازم والرد على الشائعات المرتبطة بالمخدرات، إلى جانب استخدام منصات التواصل الاجتماعى فى التوعية، باعتبارها وسيلة قادرة على الوصول لأوسع شريحة ممكنة من فئة الشباب والسائقين.
إن مواجهة جرائم قيادة المركبات تحت تأثير المخدرات ليست مسؤولية فردية أو حكومية فقط، بل مسؤولية مجتمعية شاملة، تتطلب وعيًا حقيقيًا، وتعاونًا بين المواطن والجهات الرقابية والتشريعية، فكل حادث مرورى لا يقتل فقط الضحية، بل يترك وراءه أسرًا مفجوعة، وأحلامًا مهدورة، ودمًا على الأسفلت، يمكن تفاديه بقليل من الالتزام وكثير من الوعى والانضباط.

Trending Plus