رسالة إلى طلاب الثانوية العامة.. "فكروا في الشغل الأول"

ابنى الحبيب طالب الثانوية العامة، قلبى معاك فى الامتحانات، وأدعو لك بالنجاح والتوفيق، وأصلى من كل قلبى لأبيك وأمك وإخوتك وأسرتك التى كافحت لأجلك بالمال والوقت والجهد والرعاية لتضمن لك مستقبل أرقى، وتقر أعين والديك بمكانتك فى المجتمع وبقدرتك على أن تحقق نجاحات أخرى فى سوق العمل.
ابنى الحبيب طالب الثانوية العامة، إعلم يا بنى أن المعركة الأكبر ليست فى ورقة الامتحان لكن معركتك الحقيقية يا بطل هى بعد النتيجة، وفى تلك الرحلة الصعبة لاختيار مسار التعليم العالى الذى ستسلكه، وفى قدرتك على تحقيق أهدافك بأن تعمل فى المهنة التى تحب، وفى (الكارير) الذى ترجوه لنفسك، تلك هى المعركة الأصلية والتى أكتب إليك اليوم بسببها هذه الرسالة لكى تحاول أن تحافظ على ثباتك الانفعالى، ولا ترتعش حين يتم إعلان لائحة المجاميع النهائية بعد الامتحانات.
أقول لك يا بنى، لا تنخدع أولا حين ترى فوارق المجموع بينك وبين زملائك، ولا تهتز حين تسمع عبارة كليات القمة التى يرددها الإعلام دوما فى أيام التنسيق المرهقة، وتلوكها ألسنة الناس على منصات السوشيال ميديا، فكليات القمة ليست البوابة الوحيدة للمستقبل، بل دعنى أقول لك أن بعض كليات القمة الحالية لا تنتج سوى طوابير من العاطلين الذين لا يستطيعون الحصول على فرصة عمل بشهاداتهم الجامعية العالية، ويبحثون عن بدائل أخرى حتى يتمكنوا من مواصلة طريقهم فى الحياة.
يؤسفنى أن أصدمك أن الكثير من كليات القمة الحالية لم يعد لها قيمة سوى التفاخر الاجتماعى الأحمق الذى لا معنى له، فمستقبلك لا يصنعه اسم الكلية أيا كانت، بل تصنعه أنت حين تبحث فى داخلك عن عناصر قوتك الحقيقية، وعما ترغب فى تحقيقه بالفعل، وعن العمل الذى تخططه لنفسك بصرف النظر عن اسم الكلية أو الجامعة أو التخصص الذى ستدرسه فى السنوات الأربع أو الخمس المقبلة.
• دعنى أسألك يا بني:
• هل تخجل من العمل فى مجال فنى إذا كان هذا المجال يحقق لك ربحا أكبر مما يحققه خريجو كليات القمة ؟
• هل تفضل أن تكون خريج كلية قمة، أو كلية نظرية محدودة الفرص، أم أن تبدأ مشروعك بنفسك فى عمل يدر عليك المال ويحقق أحلامك فى البيت والسيارة والزواج السعيد والأمان الاجتماعى إلى الأبد ؟
• هل تشعر أن صاحب ورشة النجارة أو الحدادة حين يجتهدون ويقدمون لمجتمعهم خدمات جليلة هم أقل من الدكتور أو المهندس أو خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟
• هل تعتبر أن الشباب الذين يفكرون سويا فى مشروع صغير، ويحصلون على قرض من صندوق المشروعات الصغيرة ويؤسسون مطعما سياحيا، أو يبدأون مشروعا للنقل الجماعى هم أقل مكانة وقيمة من خريجى كليات القمة الذين لا يستطيعون الحصول على وظائف مرموقة فى سوق عمل متخم ومنتفخ وتتراجع فيه الوظائف ؟
• كم مرة سمعت عن رجال أعمال كبار حققوا مليارات الجنيهات وهم خريجى معهد التعاون، أو مدرسة صناعية، وأنهم حققوا هذه الثروات حين لم يخجلوا من مستواهم التعليمى، وفكروا فى الاستثمار فى أنفسهم بعد التخرج من هذه التخصصات المتواضعة ؟
لا تربط مستقبلك يا بنى بتصورات ذهنية ساذجة بأنك أن لم تحصل على كارنيه نقابة الأطباء أو المهندسين أو الصيادلة أو شهادة الاقتصاد والعلوم السياسية فإن حياتك قد انتهت، وأن فرصتك فى الدنيا قد ولت إلى غير رجعة، فالمستقبل يحدده تفكيرك فى سوق العمل، اكثر مما يحدده تخصصك الجامعى، فكم من أطباء لا يجدون عملا، وكم من خريجى مدارس فنية أصبحوا يمتلكون مصانع أو مزارع أو مشروعات إنتاجية تدر عليهم ملايين الجنيهات، وتخدم مصر أكثر مما يخدمها طوابير العاطلين من خريجى كليات القمة.
فكر فى العمل أولا أكثر مما تفكر فى نوع الكلية، وانظر إلى سوق الوظائف من حولك لتعلم أنه ليس بكليات القمة وحدها يحيا الإنسان، بل بالتخطيط السليم، وبالتفكير فى مشروع حقيقى، والمثابرة عليه حتى النهاية، فلا تنخدع بحالات الزيف الاجتماعى الأحمق، ولا تنكسر أمام ضغط فروقات المجموع بينك وبين أقرانك، واعلم أن الفرصة تبدأ بعد مرحلة التعليم، وأنك قادر على أن تعلم نفسك بنفسك مهنة أو حرفة تخدم بها نفسك، وتخدم بها بلادك، وتحقق لك ما لا يمكن تحقيقه بوظيفة تقليدية بشهادة جماعية.
لا تنخدع يا بنى وتهرول وراء حلم الوظيفة، ولا تخجل من أن تقتحم مجالا تحقق فيه أحلامك، وتحقق ثروة لا يستطيع الموظفين تحقيقها، واجعل من امتحانات الثانوية العامة مفترق طرق فى حياتك، أكمل مسيرتك التعليمية، ولكن علم نفسك أيضا أن الدراسة، على أهميتها، لا تمكنك من كل مهارات النجاح، وعلم نفسك أيضا أن النجاح هو أن تبنى لنفسك، وبنفسك (كارير) خاص، وأن الفرص لن تموت بعد نتيجة الامتحانات.
• ليس بالمجموع وحده يحيا الإنسان

Trending Plus