خالد دومة يكتب: لغة الشباب

فرط حركة ... أليس في الشباب تهور، أليس فيه اندفاع نحو الحياة، يتصدى لها بعزمه وقوته ويجابهه في خشونة، ويزاحم في غير اكتراث، ويقع ويقف مصلوبا يستأنف معاركه، ويحمل فوق عاتقة المتناقضات دون أن يشعر بثقل ما يحمل، فيسوقه غرور الفتوة، ولا يحسب لخطواته موضع، فيركب الأهوال، وفي نفسه مقدرة على التسخير والتيسير والإجادة.
ماذا لو خلا الشباب من هذا الشعور وهذا الغرور والاندفاع، الذي يمتطي صهوة جواده، وفي يده سوط يلهب به ظهر جواده يسابق الرياح، ولا يعرف قلبه خوف أو نفور.. ماذا لو عقل الشباب لو ألبسته حكمة الحكماء، ونظر تحت قدميه، وقاس المسافات، ووازن الأمور، بميزان الشيوخ وأصحاب التجارب، لو فعل ذلك لقضى على أهم جزء من عمره، وأضاع معنى الحياة فيه، ولمات شعوره وهزمته الأيام في صميم كيانه.
فالشباب شباب بكل ما يعتريه من جماح وحيوية، يعيش حياته بما ركب في سن الشباب من قوة، وإقبال بقليل من الحكمة والتجارب، التي لم يكتسبها بعد، ففي الشباب طاقات هائلة من الحركة والسعي، يجب أن نكون حذرين من أصابتها بالكبت أو إخمادها في نفس الشاب, ولكن قد نعاونه في التوجيه والإشارة، ولا نلزم عليه شيء فالإلزام أو الفرض عليه، معناه هو النفور منك، إنك لا تعرف كيف يفكر أو يشعر فلست جدير بالإنصات أو الإستماع، إنما هو الرفق في التوجيه الغير مباشر، والإشارة العابرة التي لا تحمل معنى الإلزام، أو تأخذ لغة الحكمة واستصغار عقل الشباب أو الاستهانة به، والتقليل من قدراته الذهنية، فذلك يستثيره ويبغضه ولا يجعله يتقبل منك, ولو كنت تريد صلاحه، بما ترشده إليه، فلغة الشباب إن أردت أن يستمع وينصت لك، أن تتعايش معه، أن تدرك تطلعاته، أن تشعر بشعوره، وتفكر بعقله وأن تقدر ما ينتجه عقله، وتهتم به كأنه عين الصواب, فإذا ناقشته بشيء من الرفق واللين، تقبل منك، وأخذ عنك، في توضيح ما تراه من قصور، فيما يرى وينوي عمله، فتنزل إليه لترفعه، فقد مررت بما مر به، وعلمت كيف يكون الشباب طلق حر فيما يرى ويفكر، ويفعل فكونك تنسى هذا، أو تتجاهله، وتحاول أن يدرك هو ما تدركه في سنك، وبعد تجارب فهذا عبث بالنسبة له، وعدم تقدير منك لمرحلة هي خير ما ينعم به الإنسان في سنوات التحصيل والتعلم، فلا شعور يبقى ولا درس يتعلم، إلا ما أخذه من تجاربه الخاصة، وحصله بعقله هو، لا بتجارب الأخرين أو بعقولهم هم.

Trending Plus