خالد مزنر.. وهج خاص في مهرجان عمّان السينمائي

للموسيقى في السينما دورٌ وأثر، يُفترض أن نشعر به وأن يلقى إهتماما نقديا، لكن ما حدث أن الحركة النقدية إجمالا تغافلت عنه، أخص بالذكر الحركة النقدية العربية التي بدأت تعير الموسيقى التصويرية بعض الاهتمام في السنوات الأخيرة، حيث بدأت بعض الأقلام تهتم بالمتابعة وبالرصد التاريخي، من خلال هذه الكتابات ترسخ الحضور الموسيقى باعتبارها جزء من النص السينمائي، يواكب تفاصيله وحالاته.. هذا المدخل بمناسبة الحضور الساطع للموسيقي اللبناني خالد مزنر في الدورة السادسة لمهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم "عالم خارج النص" (2-10 يوليو 2025).. خالد مزنر من هؤلاء المؤلفين الموسيقيين الذين يتعاملون مع السينما بإصرار الفنان المشارك في صناعة الفيلم، يقرأ السيناريو ويتماهى مع أحداثه وشخوصه، تجلى ذلك في أعماله الفيلمية، وهو ما أكده في لقائه المفتوح ضمن فعاليات مهرجان عمّان، إذْ بدا متوهجا بين شاشة تعرض مقاطعا من مشاهد فيلمية تتخللها موسيقاه، وبين البيانو الذي يعزف عليه أحيانًا بعضا من هذه المقطوعات، وهو في درجة عالية من حساسية الكلمة الصادقة التي عادة تجد طريقها في هذه اللحظة التنويرية.
هذه اللحظة التي لا مفر فيها من أسئلة عدة ومُتداولة، أهمها في رأيي: هل يتأثّر المؤلف الموسيقي بإنجازه، هل يدفعه إلى طموح أكبر في النجاح أم ينحو بألحانه صوب المخزون في وجدانه؟.. تساؤلات غير معنيّة بالتطور الذي نلحظه في التأليف الموسيقي للسينما فقط، إنما بحالات وإنفعالات الفنان وما يسهم في إنتاجه الموسيقي الذي يطلع لجمهور يتلقفها وينفعل بها حسب تأثره بها.
عبقرية التأليف حاضرة في ألحان خالد مزنر خلال أفلام تعبر عن خصوصية فنية سواء في موضوعاتها أو صورها أو شخوصها، أظن هذا بديهيا معه وهو متعدد الأبعاد، إذا جاز التعبير، (موسيقيّ، مؤلّف، مغنٍّ، شاعر).. اللبناني الضارب في جذوره إلى عمق الموسيقى الذي عاشها بين عائلته الفنية وجيتار أمه الموسيقية، المتأثر بالموسيقى اللاتينية والكلاسيكية العالمية، المتغلغل في أحوال ومآل بلده الصغير جغرافيا كقبضة اليد، الكبير بأحداثه وأهواله، نتلمس ذلك ببعض التفكير والتأمل في أفلام مثل تلك التي اشترك فيها مع زوجته ورفيقة مشواره الفني والإنساني المخرجة نادين لبكي: "بيروت بعد الحلاقة"، "كراميل/ سكر بنات" "وهلأ لوين؟"، "كفر ناحوم"...وغيرها.
يصعب علي عيني حين أشاهد فيلم "سكر بنات/كراميل"، كي أستمع إلى موسيقاه المبهجة، فهذه البهجة جزء من حالة الفيلم، فيلم عن النساء مترع بالرومانسية، والموسيقى فيه جزء من هذه الحالة، عرف مؤلفها أن ينفعل بالحكاية ويسجلها في "نوتة" موسيقية، خالد مزنر نفسه أكد أنه حين وضع هذا الفيلم كان في بداية علاقة الحب بينه وبين مخرجة الفيلم نادين لبكي، فجاءت موسيقاه لتعبر عن قصتهما التي تتشابه مع الفيلم في رومانسيته وانفتاحه على الحياة.
إذآ، فإن "سكر بنات/ كراميل" كان منعطف مهم في طريق خالد مزنر ، توالت بعده خطوات كثيرة وبارزة، حصل على جوائز عالمية كبيرة عن بعضها، وتعرفنا من خلالها أكثر على فنان معني بالسينما ومهتم بها بقدر يوازي إنشغاله بالموسيقى.
في مهرجان عمّان السينمائي عزف خالد مزنر من "وهلأ لوين"، واستمعنا ل (يمكن لو) من نفس الفيلم، حالة مختلفة لفيلم يقدم نظرة نسوية لكنها مختلفة، إنها نظرة للحرب اللبنانية التي وقع ضحيتها جميع اللبنانيين، من خلال فيلم هو أقرب في شكله للفيلم الموسيقي (ميوزيكال)، ثم تأت تجربة "كفر ناحوم" وهي أصعب وحالة أخرى مفرطة في واقعيتها الكابوسية.
على أية حال فإن الحضور الاستحواذي بفنه ومؤلفاته الذي حققه خالد مزنر في مهرجان عمّان، يتماثل مع تجربته الثرية التي تستحق وقفة تأمل.

Trending Plus